بعد أن فاق تعدادهم عدد سگـان دول خليجية .. «جمهورية اللاجئين الأفارقة» دولة غير معلنة داخل اليمن

2009-07-28 04:25:32


تحقيق/ محمد فضل مرشد

أكثر من 800 ألف لاجئ صومالي وأفريقي في اليمن.. هي المحصلة الأخيرة للاجئين في اليمن التي أعلنتها رسميا وزارة الداخلية اليمنية مطلع الأسبوع الجاري.

وان كان ذلك الرقم يعد كبيرا إلا أن المراقبين لموجات النزوح الجماعي للاجئين الأفارقة المتدفقة من دول القرن الأفريقي إلى اليمن يؤكدون أن الآف أخرى من الصومال وأثيوبيا وارتيريا قد عبرت بدورها خليج عدن صوب الشواطئ اليمنية والغالبية منهم غير مسجلين لدى الجهات المعنية بشؤون اللاجئين سواء الدولية منها أو اليمنية ليرتفع الرقم الحقيقي للاجئين الأفارقة في اليمن - مسجلين وغير المسجلين - إلى نحو مليون لاجئ أفريقي.

ومع تدهور الوضع الأمني الذي تشهده الصومال حاليا واشتداد المعارك ما بين المسلحين الإسلاميين من جانب والقوات الصومالية الحكومية المعززة بقوات أفريقية من الجانب الآخر ارتفعت وتيرة هجرة اللاجئين الصوماليين صوب البر اليمني، ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن تقذف أمواج البحر بلاجئين صومال وأفارقة على امتداد الشريط الساحلي اليمني.

وفيما اشتهرت خلال العشر السنوات الأخيرة شواطئ في محافظتي أبين وشبوة عن غيرها من شواطئ اليمن باستقبال أفواج النازحين الصوماليين فقد أصبحت حاليا مختلف المناطق الساحلية في اليمن مفتوحة أمام أولئك النازحين، وها هو ساحل ذباب في محافظة تعز الذي كان خارج نطاق وجهات قراصنة تهريب البشر الصوماليين بات يستقبل منذ مطلع العام الحالي أكثر من ألف نازح صومالي وأفريقي بشكل شهري.

وبقليل من التمعن في ماهية هذا السيل المتدفق من اللاجئين الصوماليين والأفارقة إلى اليمن منذ أكثر من عقد من الزمان، نجد إن هذا البلد القابع في أقصى جنوب الجزيرة العربية، والذي يعاني أساسا من أزمات داخلية، قد أصبح يؤوي على خارطته الجغرافية شعبا آخر يفوق تعداده تعداد شعوب دول خليجية.

إن "جمهورية اللاجئين الأفارقة" حقيقة دولة باتت قائمة داخل الدولة اليمنية، وخليط من قرابة مليون صومالي وأثيوبي واريتري وجنسيات أفريقية أخرى برجالهم ونسائهم وأطفالهم بات لهم كيان خاص بهم داخل كيان الشعب اليمني.. حقيقة تأخرت الأجهزة الرسمية اليمنية في التنبه لها، وكان المفترض بها إدراك تبعاتها السلبية على اليمن والمواطن اليمني منذ بدء موجات النزوح الأولى للاجئين الأفارقة إلى اليمن.

إن تقييم الجهات الرسمية اليمنية لمسألة استقبال اللاجئين الصوماليين أولا واتساعها لاحقا لتشمل جنسيات عدة دول أفريقية أخرى كان خطئا فادحا منذ البدء لاقتصار ذلك التقييم للأمر بأنه مجرد استقبال لعدد محدود من اللاجئين سيتم إيداعهم في مخيمات تقام بعيدا عن المناطق المأهولة بالسكان وستتولى المنظمات الدولية توفير متطلبات إيوائهم وإعاشتهم، دون تحديد كم هؤلاء اللاجئين الذين سيتم استقبالهم، والفترة الزمنية التي سيمكثونها على الأراضي اليمنية، والأهم من هذا وذاك أن لا تكون الأراضي اليمنية المحطة النهائية لهم - كما هو حاصل - وضرورة وجود اتفاقية دولية بنقلهم من اليمن خلال فترة زمنية محددة إن لم يكن إلى وطنهم الأصلي - بسبب عدم استتباب الأوضاع هناك - فإلى دول أخرى ذات بنية اقتصادية قوية تخولها استيعابهم فيها دون أن يعود عليها الأمر بتبعات سلبية.

وتتجلى في وقتنا الراهن التبعات السلبية لقصور تقييم السلطات اليمنية لمسألة فتح منافذها وأراضيها لاستقبال النازحين الصوماليين والأفارقة في عدة مظاهر باتت اليوم جزءا من مشهد الشارع اليمني حيث تحولت مناطق كبيرة داخل قلب المدن اليمنية إلى عشوائيات يقطنها اللاجئون الصوماليين والأفارقة في ظل وضعي معيشي مزر واستفحال للجريمة الأخلاقية والأمنية، واكتظاظ شوارع وأسواق المدن بالآلاف من المتسولين والمتسولات الأفارقة بمعية أطفالهم، وظهور أمراض لم تكن موجودة سابقاً أو تكاد تذكر في اليمن مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وظهور ترويج المخدرات في المجتمع اليمني، بل وتحول اليمن إلى طريق جديد لتهريب المخدرات بأنواعها إلى دول الجوار الغنية، ظهور عصابات تهريب اللاجئين الأفارقة إلى الدول المجاورة، إضافة مستهلك جديد إلى السوق اليمنية ما أسهم في رفع أسعار السلع..

أما مخيمات اللاجئين المقامة خارج المدن والمفترض بها إيواء اللاجئين الصوماليين والأفارقة فيها وعدم السماح لهم بمغادرتها فأصبحت شبه خالية إلا من القليل من اللاجئين، الذين عزوا مغادرتهم لها بتدني المستوى المعيشي فيها، والذين طالبوا أكثر من مرة المنظمات الإنسانية الدولية نقلهم من اليمن إلى دول أخرى غنية اقتصاديا بما يمكنهم من بدء حياة جديدة وتوفير معيشة كريمة لأسرهم وأطفالهم بعد تأكدهم من عدم قدرتهم على العودة إلى أوطانهم بسبب تفاقم الأوضاع فيها وصعوبة وضعهم الراهن في اليمن، وهو ما تعبر عنه لافتاتهم التي دأبوا على رفعها كلما زارهم مسئول في تلك المنظمات المعنية بشؤون اللاجئين.

وإذا كانت السلطات اليمنية قد اغفلت سابقا الأبعاد المستقبلية لموجات النزوح الكبيرة للاجئين الأفارقة إلى اليمن، فإنها حاليا تعيد صياغة نفس الخطأ الفادح، وذلك باستمرارها في فتح سواحلها وأراضيها لاستقبال موجات نزوح جديدة في كل يوم.

ويؤكد المراقبون للأوضاع في القرن الأفريقي بأن المحصلة في حال عدم إغلاق اليمن لمنافذه البحرية في وجوه تلك الموجات وترك المجتمع الدولي يتحمل مسئولياته إزائها ستكون وفقا لتقارير المراقبين موطناً مئات الآلاف من اللاجئين الأفارقة الجدد لاسيما الصوماليين مع تفاقم الأوضاع هناك واشتداد الصراع ما بين الفصائل المسلحة من سلطة ومعارضة وجيوش حليفة ومعادية وأمراء حرب وقراصنة، وجميعهم سيضافون إلى تعداد شعب "جمهورية اللاجئين الأفارقة" القائمة داخل كيان الجمهورية اليمنية، وعليها وعلى المواطن اليمني سينضاف عبئهم الاقتصادي والاجتماعي والأمني في الوقت الذي تعاني فيه اليمن ومواطنوها من أزمات خانقة على مختلف الصعد، وتواجه تحديات تهدد بتحويلها إلى صومال آخر.<

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد