"يجب ألا يقبل العالم غرنيكا أخرى".. تاريخ تضامن مدينة إسبانية مع غزة وفلسطين

2023-12-17 02:20:18 أخبار اليوم/ متابعات

 

في مايو/أيار 1937، رسم الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو (1881- 1973) لوحة "غرنيكا" التي تعدّ أروع أعماله واستلهمها من قصف مدينة غرنيكا في إقليم الباسك بإسبانيا، الذي أوقع قرابة 2000 قتيل.

وبعد أكثر من 8 عقود تتضامن مدينة غرنيكا شمال إسبانيا مع فلسطينيي غزة بطريقتها الخاصة، إذ وقف مئات الناشطين معا في ساحة المدينة -التي أصبحت رمزا دوليا لفظائع الحرب بفضل لوحة بيكاسو– مشكّلين فسيفساء بشرية ترتدي ألوان العلم الفلسطيني الأحمر والأسود والأبيض والأخضر، يوم الجمعة 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وتصور لوحة بيكاسو الزيتية الكبيرة -التي رسمها بطلب من الحكومة الإسبانية الثانية وتحمل اسم المدينة- المعاناة الشديدة للسكان، وتبرز صورة أم تبكي وهي تحمل طفلها الذي فقد حياته.

واستذكر المشاركون في المظاهرة المجزرة التي ارتكبها سلاح الجو الألماني (النازي) والإيطالي في 1937 خلال الحرب الأهلية الإسبانية التي سقط فيها أعداد كبيرة من الضحايا.

وعبّر المشاركون -وهم ائتلاف من النقابات والأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية- ضمن تجمع مبادرة "غرنيكا فلسطين" عن استهجانهم لارتكاب مذابح أخرى في فلسطين مماثلة لتلك التي ارتكبت في غرنيكا، مطالبين العالم أن يتصدى لآلة الحرب الإسرائيلية، وأن يوقف إطلاق النار.

وفي نوع من الاحتجاج، أطلقت صفارات الإنذار خلال الوقفة تنديدا بالعدوان الإسرائيلي والمجازر التي تُرتكب بحق المدنيين في غزة.

من جانبها وصفت الممثلة إيتزيار إيتونيو، بطلة مسلسل "لا كاسا دي بابل" ( La Casa de Papel )، ما يحدث في غزة بحملة إبادة جماعية ترتكبها القوات الإسرائيلية.

وأضافت خلال كلمتها بالمظاهرة الاحتجاجية "من غرنيكا إلى فلسطين.. من غرنيكا إلى العالم، نريد أن نقول، إنه بعد الذي مررنا به، منذ القصف الأول الذي تعرضنا له وحتى اليوم، لا يمكن للتاريخ أو العالم أن يتحمل دمار شعب واحد، لا ينبغي للعالم والتاريخ أن يتحملا ما يحدث في فلسطين، ويجب على العالم والتاريخ ألا يقبلا غرنيكا جديدة".

وتابعت "من غرنيكا تلك البلدة التي تحتل مكانة ملعونة بين كل المجازر التي شهدها تاريخ الإنسانية، ندعو إلى وضع حد للمذبحة المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، وندين بقوة وغضب أي تواطؤ في هذه الإبادة الجماعية".

وتتماشى هذه اللفتة الرمزية مع دعم إسباني تاريخي للحقوق الفلسطينية، لكنها تأتي هذه المرة في لحظة توتر أوروبي، حيث تتصدر مدريد الدول الغربية القليلة التي تنتقد إسرائيل بشكل متزايد.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى أمس الأربعاء، 18 ألفا و608 شهداء و50 ألفا و594 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، حسب مصادر فلسطينية وأممية.

وشهدت إسبانيا مسيرات مؤيدة للشعب الفلسطيني في مدن بجميع أنحائها.

التاريخ الإسباني مع العالم العربي

ويعتقد بعض المحللين أن تضامن إسبانيا مع القضية الفلسطينية قد يكون متجذرا في تاريخها؛ إذ لا يوجد في إسبانيا سوى جالية يهودية صغيرة يصل عددها إلى حوالي 50 ألف شخص، ويرجع ذلك جزئيا إلى الآثار التاريخية. وللمقارنة، يبلغ عدد الجالية في فرنسا، التي تعدّ موطنا لأكبر أقلية يهودية في أوروبا، حوالي 500 ألف شخص.

في 1492، بموجب "مرسوم الحمراء"، طرد الملوك الكاثوليك السكان اليهود. وفي 2015، أي بعد مرور أكثر من 500 عام، قدّمت إسبانيا لليهود اعتذارا عن طريق منح الجنسية لليهود السفارديم حول العالم.

خلال حكم الجنرال فرانكو، كانت إسبانيا الفاشية، التي عزلها الغرب، متحالفة مع الدول العربية. ولم تبدأ العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إلا في 1986، أي بعد 11 عاما من وفاة الدكتاتور فرانكو.

وقال إغناسيو مولينا، خبير الشؤون الخارجية الإسبانية في جامعة مدريد المستقلة "على الرغم من وجود جدل حول ما إذا كان فرانكو معاديا للسامية أو لا، فإن إسبانيا خلال فترة الديكتاتورية لم تعترف أبدا بدولة إسرائيل، وأقامت اتصالات جيدة مع الدول العربية".

وتابع مولينا للجزيرة "خلال الفترة الانتقالية إلى الديمقراطية، بين 1976 و1982، لم تعترف حكومات الوسط بإسرائيل قط. ولم يحدث هذا إلا في 1986 مع الحكومة الاشتراكية كشرط لدخول إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي".

وفي 2014، وافق البرلمان الإسباني على اقتراح رمزي لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وأظهر استطلاع نشرته "وكالة إليكتومانيا لاستطلاعات الرأي" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن 53.3% من الإسبان يعتقدون أن بلادهم يجب أن تؤدي دورا أكثر نشاطا في محاولة الوصول لحل في قضية الحرب الإسرائيلية على غزة، بينما قال 27.8%، إن مدريد يجب أن تبقى خارج الصراع. ولم يكن حوالي 17% متأكدين.

وحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة ( DYM )، فإن حوالي 21% يؤيدون إسرائيل، بينما يؤيد 24.3% فلسطين. لكن 43% ليس لديهم وجهة نظر تجاه إسرائيل و47.6% ليس لديهم رأي أيضا تجاه فلسطين، ويفسر المراقبون ذلك بالانحيازات "الأيديولجية" والحزبية التي تؤثر في المواقف السياسية تجاه فلسطين.

المصدر : الجزيرة

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد