شرحت واقع اليمن بحلته القديمة والحديثة وكيف أصبحت مليشيا الحوثي والانتقالي إلى سلطة أمر واقع في اليمن..

دراسة تحليلية تلخص مسار تمكين وشرعنة الجماعات المسلحة المتمردة على الدولة ومؤسساتها الشرعية ومصالـح الشعب

2023-12-11 08:38:08 أخبار اليوم/ متابعات خاصة

  

الحلقة 3

 

لخصت ورقة تحليلية، جديدة عن أهم مرتكزات لواقع التمرد في اليمن وكيفية إنشاء وتحويل الجماعات المسلحة إلى سلطة أمر واقع في اليمن، مع بقاء تهديد هذه الجماعات للنظام السياسي، والسيادة الوطنية، ووحدة الدولة اليمنية.

وتناولت الورقة التي أعدها الباحث اليمني، أنور الخضري، تحت عنوان «تمكين التمرّد في اليمن.. مليشيات الحوثي والانتقالي نموذجاً»، مسار تمكين وشرعنة الجماعات المسلحة المتمردة على الدولة، والمنقلبة على السلطة في اليمن.

 

«المجلس الانتقالي الجنوبي»:

 

بعد هزيمة الحزب الاشتراكي في حرب عام 1994م، تشكلت «حركة تقرير المصير- (حتم)»، بقيادة عيدروس الزبيدي، وانتشرت في محافظتي الضالع ولحج، وتبنت العمل المسلح لإسقاط مؤسسات الدولة والتمرد عليها. وعقب تحرير عدن ومعظم المحافظات الجنوبية في عام 2017م، عمدت الإمارات إلى فرز الطيف الواسع من المقاومة الشعبية التي كانت تقاتل جماعة مليشيات الحوثي في عدن، مستقطبة فصيلين منها، هما: التيار السلفي الجامي، وتيار الحراك الجنوبي المتطرف في محافظة الضالع، ودمجهما في تشكيلات عسكرية في عدن ولحج وشبوة والضالع وسُقطرى وحضرموت، مطلقة على تلك التشكيلات المسلحة مسمى «الأحزمة الأمنية» و»قوات النخبة»؛ ورفضت دمج تلك التشكيلات المسلحة في إطار الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، في الحكومة الشرعية.

سريعًا ما أظهرت تلك التشكيلات المسلحة تمردها على سلطة الدولة في المحافظات المحررة. ووصل الأمر بها إلى منع الطائرة الرئاسية التي كانت تقل رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، من الهبوط في مطار عدن، ما اضطره لتحويل مسار الرحلة نحو محافظة سقطرى، ريثما يحدث تدخل من قبل السعودية يسمح لها بالهبوط في مطار عدن.

تاليًا، جرى إلحاق تلك التشكيلات بـ»المجلس الانتقالي الجنوبي»، الذي جرى تأسيسه في 11 مايو 2017م، بضغط مباشر من قبل الإمارات، بعد أن أقال الرئيس «هادي» محافظ عدن في ذلك الوقت، عيدروس الزبيدي، من منصبه. وقد أعلن المجلس منذ تأسيسه عن عدم اعترافه بالسلطة الشرعية، وسعيه لانفصال الجنوب عن اليمن.

الانتقالي.. متمردًا:

في صبيحة يوم الأحد الموافق 28 يناير 2018م اندلعت في عدن معارك عسكرية عنيفة، بين قوات الحماية الرئاسية، التابعة لسلطة الرئيس «هادي»، والتشكيلات العسكرية التابعة لـ»المجلس الانتقالي الجنوبي»، واستمرت تلك المعارك ثلاثة أيام، وانتهت بسيطرة تلك التشكيلات -التي حصلت بحسب كثير من التقارير على دعم لوجستي من قبل القوات الإماراتية- على مدينة عدن، باستثناء «قصر المعاشيق» الذي تتخذه الحكومة الشرعية مقرا لها. وقد تولت لجنة سعودية إماراتية الإشراف على وقف القتال بين الطرفين، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، في تسوية بين القوات الحكومة وقوات المجلس المتمردة على الدولة.

في أغسطس 2019م، قاد «المجلس الانتقالي» حركة تمرد وانقلاب على الحكومة الشرعية في عدن، من خلال الدخول في مواجهات مسلحة مع قوات ومعسكرات الجيش الوطني في عدن وأبين. وقد اتهمت الحكومة المجلس -في حينه- بتنفيذ انقلاب مسلح، وقالت وزارة الخارجية -في بيان لها نشر على تويتر: «ما يحصل في العاصمة المؤقتة عدن من قبل المجلس الانتقالي هو انقلاب على مؤسسات الدولة الشرعية». ووصف وزير الداخلية اليمني، أحمد الميسري، تمرد «الانتقالي» بـ»الانقلاب» على الحكومة، وأدان صمت السعودية على ذلك. ووصف ما واجهته قوى الجيش والأمن من قبل قوات «المجلس الانتقالي» بأنه «ذبح»، أدى إلى القضاء على ما تبقى من سيادة الدولة، مشبهًا نهب مسلحي «الانتقالي» لمنازل الآخرين بما فعله الحوثيون بصنعاء. وقد خلقت الغارات التي شنتها الإمارات على قوات الجيش اليمني دعمًا لقوات «الانتقالي» «ميزة عسكرية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي».

لقد دخلت قوَات « الانتقالي» في مواجهات مسلحة عدة مع قوات الجيش والأمن التابعة للشرعية في عدن ولحج وشبوة، ومع رغبة الرئيس «هادي» في القضاء على هذا التمرد المناوئ لسلطة الدولة في تلك المحافظات إلا أن السعودية وقفت حائلًا دون تحقيق تلك الرغبة، ودعت الأطراف للتحاور في الرياض، وهناك جرى الضغط على الرئيس «هادي»، في 5 نوفمبر 2019م، لتوقيع اتفاقية مع «المجلس الانتقالي الجنوبي» باعتباره طرفًا شريكًا في السياقات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية التالية للاتفاق، وهو ما منح المجلس غطاء دستوريا وقانونيا وسياسيا، وجزءًا في معادلة أي مفاوضات مستقبلية مع مليشيات الحوثي.

عقب توقيع «اتفاق الرياض»، قام «المجلس الانتقالي» بإعلان الإدارة الذاتية لعدن والمحافظات الجنوبية من جانب واحد، في 26 أبريل 2020م، وأصبح المجلس متحكمًا فعليا بمدينة عدن (التي أعلنها الرئيس «هادي» عام 2015م عاصمة مؤقتة لليمن). وقد حاول الرئيس «هادي»، وتحت ضغوط سعودية إماراتية، نزع فتيل المواجهة، بإصدار قرار رئاسي، في 29 يوليو 2020م، نص على تكليف رئيس الوزراء اليمني، د. معين عبدالملك، بتشكيل حكومة جديدة، وتعيين الأمين العام لهيئة رئاسة «الانتقالي»، أحمد حامد لملس، محافظًا لمحافظة عدن، والعميد محمد أحمد الحامدي، مديرًا عاما لشرطة محافظة عدن، وذلك بعد إعلان المجلس تخليه عن قرار الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية.

في يوليو 2021م، أعلن «المجلس الانتقالي» عن رفضه انعقاد مجلس النواب اليمني في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، وتوعد بالتصعيد والعصيان المدني؛ إذ هو يستخدم قواته المسلحة لعرقلة أنشطة السلطة الشرعية في البلاد.

ظل التصعيد المسلح هو السياسة المتبعة من قبل «المجلس الانتقالي»، والذي بدأ يمد نفوذه إلى أبين وشبوة ومحافظات جنوبية أخرى. فقد قام المجلس، في أغسطس 2022م، بتفجير الأوضاع في محافظة شبوة، والدخول في مواجهات مع قوات أمنية وعسكرية في المحافظة، لفرض السيطرة الكاملة على مدينة عتق، مركز المحافظة، وبدعم من الطيران الإماراتي.

وقد كوفئ «المجلس الانتقالي» على أعماله تلك بتسكين رئيس المجلس في «مجلس القيادة الرئاسي»، الذي تشكل بموجب إعلان رئاسي لنقل السلطة، أصدره الرئيس «هادي»، في ٧ أبريل ٢٠٢٢م. وبذلك تحوَل عيدروس الزبيدي من متمرد خارج على الدولة إلى مركز أعلى في سلطة الدولة.

وفي 8 مايو 2023م، جرى إعادة هيكلة هيئة رئاسة «المجلس الانتقالي»، حيث عين الزبيدي -بوصفه رئيس المجلس الانتقالي- كلا من: عبدالرحمن المحرمي (عضو مجلس القيادة الرئاسي)، وفرج سالم البحسني (عضو مجلس القيادة الرئاسي)، نائبين لرئيس «المجلس الانتقالي»؛ وبهذا أصبح «المجلس الانتقالي» ممثلًا بثلاثة أعضاء في «مجلس القيادة الرئاسي».

تحول «المجلس الانتقالي الجنوبي»، كما هو الحال مع مليشيات الحوثي، بفعل الدعم والإسناد الخارجي، إلى قوى مسيطرة وسلطة أمر واقع، في محافظة عدن ومحافظات جنوبية أخرى، دون الالتفات إلى حجم الضحايا من القتلى والجرحى والمعتقلين والمختطفين والمشردين والمهمشين والمنتهكة حقوقهم، والأضرار والدمار والتخريب، الذي تسببت فيه قواته للمصالح الخاصة والعامة والممتلكات والبنى التحتية، والمرافق التعليمية والصحية، سواء بسوء الإدارة والإهمال، أو نتيجة الفساد المالي والوظيفي.

إدانات دولية لجرائم الانتقالي: 

في عام 2019م، ذهب تقرير الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة إلى تأكيد تورط الإمارات، ومنظومة شخصيات وتشكيلات مسلحة محلية، في تنفيذ عمليات اغتيال. وتوقف التقرير طويلًا عند حادثة اغتيال اللواء/ جعفر محمد سعد -محافظ عدن الأسبق، والتي كانت فاتحة سلسلة الاغتيالات التي شهدتها المدينة خلال ثلاثة أعوام تالية. وأشار التقرير إلى تورط قيادات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وقادة إماراتيين، في عمليات الاغتيال لتسعين شخصية بارزة في عدن. وقال التقرير: إنه حقق في حالات قتل واغتيال 90 شخصًا من قيادات المقاومة الجنوبية والموظفين الحكوميين البارزين ورجال دين وعلماء، في مدينة عدن جنوبي اليمن، في الفترة بين أكتوبر 2015م ومايو 2019م؛ وخلص إلى أن جميع الحالات التي خضعت للتحقيق كان المستهدفون فيها ينتقدون الإمارات والتيار الانفصالي الجنوبي المدعوم منها، ويدعمون بشكل علني الحكومة الشرعية.

وقد صنف تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة «المجلس الانتقالي الجنوبي»، ومليشيات الحوثي وقوات حراس الجمهورية، في خانة واحدة، واصفًا إياهم بأنهم «جماعات مسلحة»، «خارجة عن سيطرة الدولة» الشرعية، وأنهم «عقبات» أمام تنفيذ قرارات مجلس الأمن. وجاء في التقرير أن كلًا من مليشيات الحوثي والمجلس الانتقالي استخدموا «القوة لكسب الأراضي، وظل كلا منهما يؤدي مهام الحكومة الشرعية بشكل يُساهم في تقويض السلام والأمن والاستقرار في البلد».

وأشار إلى أن قوات المجلس الانتقالي تواصل تعزيز سيطرتها على السكان المدنيين عبر وسائل متعددة، منها الاستخدام المفرط للقوة؛ وأضاف أن أنشطة الانتقالي شكلت انتهاكًا سافرًا للفقرتين 1 و6 من القرار 2216، والذي طالب الأطراف اليمنية بالامتناع عن كافة الأعمال التي تقوض عملية الانتقال السياسي. واتهم التقرير الانتقالي باستخدام القوة لنهب 80 مليار ريال يمني من أموال الحكومة بصورة غير قانونية؛ مؤكدًا أن استمرار الإمارات في تقديم دعمها السياسي للانتقالي يمثل دعمًا لكيان يهدد الأمن والسلام والاستقرار في اليمن.وفي العام ذاته (2021م)، أشار فريق الخبراء -ضمن توصياته- إلى أنه يعتقد أن «المجلس الانتقالي الجنوبي»، ضمن أطراف أخرى، ارتكب أعمالًا قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، بما في ذلك: قتل المدنيين، والتعذيب، والمعاملة القاسية أو غير الإنسانية، والاغتصاب، وغيرها من أشكال العنف الجنسي، والاعتداء على الكرامة الشخصية، والحرمان من المحاكمة العادلة، وتجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا، أو استخدامهم للمشاركة بنشاط في الأعمال العدائية.

وأكد الخبراء أن «إعلان المجلس الانتقالي من جانب واحد عن الإدارة الذاتية، في أبريل 2020م، أدى إلى زعزعة كبيرة للاستقرار في أبين وعدن وشبوة وسقطرى».

وفي يناير 2022م، انتقد تقرير فريق الخبراء دور الإمارات في الأزمة اليمنية المستمرة، وقال: إن تدخل أبو ظبي السياسي والمالي والعسكري في اليمن يصعب فهمه. وأشار إلى أن «الانتقالي»، المدعوم إماراتيا، قام بإجراءات قوضت «اتفاق الرياض»، الذي وقع في نوفمبر 2019م، برعاية السعودية ودعم الأمم المتحدة.

إدانات يمنية لجرائم الانتقالي:

على الصعيد الداخلي، قال الرئيس «هادي» في 29 أغسطس 2019م: إن الإمارات تدعم المجلس الانتقالي في جنوب اليمن سعيًا لتقسيم البلاد، وطالب قيادات السعودية بالتدخل لوقف هجوم الإمارات على قوات الحكومة والمدنيين في عدن وأبين. ووصف «هادي» -في كلمة متلفزة تعليقًا على قصف الإمارات مواقع للجيش اليمني في عدن وأبين- ما يقوم به «المجلس الانتقالي الجنوبي» بـ»التمرد المسلح» الذي يستهدف الشرعية الدستورية، مشيرًا إلى أنه «لا يزال يرتكب أبشع الجرائم ضد المواطنين العزل، مستخدمًا ترسانة عسكرية إماراتية، سعيًا لتحقيق أهداف وغايات مموليه»، وأن مليشياته قامت بمداهمة واعتقال وإعدام للجرحى في بعض المستشفيات.وفي 26 أبريل 2020م، وصف وزير الخارجية اليمني، محمد الحضرمي، قيام «الانتقالي»، المدعوم إماراتيا، بإعلان «الحكم الذاتي» للمحافظات الجنوبية من جانب واحد، تمردًا؛ وقال: إن إعلان المجلس الانتقالي عزمه القيام بإدارة الجنوب يمثل استمرارا لتمرده المسلح على الدولة، والذي بدأ في أغسطس الماضي (2019م). في حين عبرت سلطات محافظات حضرموت وشبوة والمهرة وأبين وسقطرى ولحج، في بيانات متلاحقة، رفضها إعلان الانتقالي الجنوبي، وتمسكها بالولاء للشرعية، وللرئيس «هادي».

وقد اتهمت الحكومة اليمنية «الانتقالي» بالانقلاب على التفاهمات التي رعتها السعودية في الرياض، وذكر الفريق الحكومي المفاوض، في بيان صحفي، نشرته وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، الرسمية، أن انقلاب الانفصاليين عما اتفق عليه «كان له أثر مباشر في تأخير عودة الحكومة للنهوض بمهامها في تقديم الخدمات للشعب اليمني، والتعاطي مع التحديات الاقتصادية التي أصبحت ماثلة أمام الجميع»، واتهم الفريق الحكومي «المجلس الانتقالي» بـ:

استمرار التصعيد على كافة الأصعدة،

والتدخل المباشر في عمل مؤسسات الدولة،

وإصدار قرارات مخالفة للقانون،

وإصدار توجيهات مباشرة لقيادات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن،

واستمرار تعطيل مؤسسات الدولة وفرض سلطة الأمر الواقع.

الحوثي والانتقالي.. قواسم مشتركة:

من القواسم المشتركة بين مليشيات الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي ما يلي:

رفض الجمهورية اليمنية: ترفض مليشيات الحوثي النظام الجمهوري والديمقراطية باعتبارهما يؤسسان لإرادة الشعب وكونه مالك السلطة ومصدرها، وهو ما ينافي نظرية الإمامة الزيدية التي تؤسس الحكم على رؤية ثيوقراطية كهنوتية؛ كما يرفض المجلس الانتقالي الجنوبي النظام القائم بوصفه نظامًا محتلا للجنوب. وبذلك فهما يتقاسمان العداء للدولة اليمنية الحديثة، وإن اختلفت المنطلقات.

رفض المسار السياسي: تشكلت مليشيات الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي خارج الإطار الدستوري القانوني، خلافًا لبقية القوى اليمنية التي تشكلت في إطار أحزاب وتنظيمات سياسية أو مدنية تعمل وفق مرجعية الدستور اليمني والقوانين المعبرة عنه.

اعتماد أسلوب العنف: اتخذت مليشيات الحوثي منذ عام 2003م، و»حركة تقرير المصير- (حتم)» التي تعد امتدادًا لـ»المجلس الانتقالي الجنوبي» منذ عام 2007م، من العنف وسيلة لها لتحقيق أجنداتها ومطامعها في السلطة.

الانقلاب على السلطة الشرعية: حيث قامت مليشيات الحوثي بالانقلاب على سلطة عبدربه منصور هادي في صنعاء، في حين قام المجلس الانتقالي الجنوبيـ بالانقلاب على سلطة هادي في عدن، استنادًا إلى قوة السلاح والعنف والدعم الخارجي.

اختزال تمثيل الشعب: ترى مليشيات الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي أنهم الممثلون الشرعيون للشعب، الأولى في الشمال، والثاني في الجنوب، وبالتالي فهما لا يسمحان بأي صوت مخالف لهما، ويعملان ضد التعدد الحزبي والتنوع الفكري والمجتمع المدني.

الاستناد إلى قوى خارجية مناصرة: تعتمد مليشيات الحوثي على الدعم غير المحدود الذي تقدمه إيران لها، كما يعتمد المجلس الانتقالي الجنوبي على الدعم غير المحدود الذي تقدمه الإمارات له، في مخالفة صريحة للدستور والقوانين اليمنية التي ترى في أي دعم خارجي يضر بأمن الوطن وسيادة الدولة ومصالح الشعب خيانة عظمى.

استحلال دماء وأموال المخالفين: عدا عن العنف واعتماد القوة لإرهاب الأطراف الأخرى، ينتهج الحوثيون والانتقاليون سبيل استحلال دماء وأموال المخالفين، من خلال عمليات القتل والتصفية والاغتيال، ونهب الممتلكات والأموال، دون الرجوع إلى القضاء وأحكام الشريعة الإسلامية أو الأعراف الاجتماعية، وهو ما أجبر الكثير من المعارضين لهما بالفرار من مناطق سلطتهم.

تحويل اليمن إلى بلد تابع: في حين يوظف الحوثيون اليمن لصالح سياسات نظام إيران في المنطقة، جاعلين من أجنداته مرجعًا لسياساتهم المحلية، ورافعين شعار (الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل) كتعبير عن الانخراط في معركة طهران «ولو صوريا»، يوظف الانتقاليون اليمن لصالح سياسات نظام الإمارات في المنطقة، جاعلين من أجنداته مرجعًا لسياساتهم المحلية، ومتخذين من التطبيع مع إسرائيل والتنسيق مع الولايات المتحدة شعارًا لهم. هذا كله بعيدًا عن سيادة الدولة اليمنية، ودستورها ومؤسساتها الشرعية ومصالح الشعب الوطنية.

المسار المستقبلي:

مما سبق يتضح أن مليشيات الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي، واللذين تأسسا خارج الإطار الدستوري والقانوني، وتمردا على الدولة بقوة السلاح، وانقلبا على السلطة الشرعية، وهددا الأمن والسلم الاجتماعي، والإقليمي والدولي، وارتكبا جرائم حرب، تحولا بفعل عوامل داخلية وإقليمية إلى قوى فاعلة وسلطة أمر واقع في كل من صنعاء وعدن.

كما يتضح أن كلا الفريقين -الحوثي والانتقالي- جرى منحهم غطاء سياسيا لمنحهم الشرعية وتسكينهم في كيان الدولة.

 ففي 21 سبتمبر 2014م، وعقب اقتحام مليشيا الحوثي صنعاء بقوة السلاح، جرى توقيع «اتفاق السلم والشراكة» بين مليشيات الحوثي والحكومة اليمنية، برعاية أممية، ومنذ توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية أظهر الحوثيون انتقائية في التزامهم ببنوده. وقد وفر لهم الاتفاق غطاء في مسعاهم من أجل السيطرة على مزيد من الأراضي. ورغم أن الحوثيين وقعوا على ملحق الاتفاق الذي يعالج الوضع الأمني وينص على حل المجموعات المسلحة إلا أن ميليشياتهم ظلت متمركزة في العاصمة صنعاء، وعززت من قوتها وانتشارها بعد الاتفاق. والأمر ذاته جرى مع «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي وقع مع الحكومة اليمنية بعد التمرد عليها بقوة السلاح على «اتفاق الرياض»، في 5 نوفمبر 2019م، برعاية «التحالف العربي»، ومباركة أممية، فيما ظل المجلس محافظًا على قواته العسكرية رغم وجود ملحق للترتيبات العسكرية.

اليوم، وبعد أن هيمن الطرفان -الحوثي والانتقالي- على أجزاء واسعة من جغرافيا اليمن، شمالًا وجنوبًا، وتمكنا من بناء قدراتهم العسكرية والأمنية، على حساب الدولة والحكومة اليمنية والجيش والأمن التابعين لها، أصبح الحديث عن تسوية سياسية جديدة تستكمل مسار توطين الطرفين في الدولة بشكل نهائي، ودون القضاء على بذور الصراع الحقيقية، مؤكدًا، في ظل جهود حثيثة تبذلها السعودية، مع أطراف إقليمية ودولية، في هذا الشأن.

اليوم، اليمن أمام مسار تفاوضي يجري الإعداد له بعيدًا عن الإرادة الشعبية، في ظل تفاهمات إقليمية ودولية، دون اطلاع مجلس القيادة الرئاسي، ومجلس النواب اليمني، والحكومة اليمنية. وهو مسار يُفرض على القوى الوطنية من خلال خلق واقع جديد، باستخدام القوة المسلحة، وتغيير موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. وإذا ما أُغفلت العدالة الانتقالية فإن الأطراف التي تمردت على الدولة، وارتكبت الانتهاكات والجرائم، ستنال بموجب هذه الاتفاقات شبه حصانة قانونية، كما جرى مع «صالح» عقب «المبادرة الخليجية»، وعليه فنحن أمام سيناريو ملغوم لا يمكن أن يحافظ على كيان الدولة ووحدة اليمن، ولا أن يحقق الأمن والسلام.

لهذا، وعلى خلفية المباحثات السعودية الجارية مع مليشيات الحوثي في الرياض، بعيدًا عن حضور ممثلين عن الشرعية، شددت هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني، في منتصف شهر سبتمبر الجاري، خلال اجتماع عقدته برئاسة رئيس المجلس، سلطان البركاني، عبر الاتصال المرئي، على ضرورة أن يكون الحل السياسي للصراع مبنيا على المرجعيات الثلاث المتمثلة بـ»المبادرة الخليجية»، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي (خاصة القرار 2216)؛ وأكدت أن أي حلول تتناقض مع هذه المرجعيات لن تكون «مقبولة شعبيا ورسميا»، وأن «الوصول إلى السلام يتطلب نوايا صادقة، وعملًا جادا من أجل استعادة الدولة وحقن دماء الشعب اليمني؛ وهو ما لم يظهر من جانب الحوثيين الذين يمارسون حتى اللحظة جرائمهم الممنهجة ضد الشعب اليمني، ويصادرون الحقوق والحريات، ويحاولون فرض ثقافة دخيلة على شعبنا اليمني». ودعت رئاسة المجلس مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة، وكافة القوى السياسية، إلى «رص الصفوف ودراسة كل الخيارات، بدءًا بخيار السلام، وانتهاءً بخيار استعادة الدولة بكل الوسائل الممكنة».

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد