قرّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة التابعة لليونسكو، المجتمعة في مدينة الرياض منذ أيام، إدراج مواقع ذات حساسية سياسية ضمن لائحة التراث العالمي، واختارت من بين ثلاثة ملفات ترشيح مطروحة، "مدرسة الميكانيكا" سابقاً، التابعة للبحرية الأرجنتينية ( ESMA )، التي تحوّلت إلى متحف للذاكرة في بوينس آيرس.

وقالت صحيفة "آرت نيوز"، "إن موقع المتحف كان عبارة عن مركز سرّي للاعتقال والتعذيب والإبادة خلال الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين، منذ عام 1976وحتى عام 1983. وكان واحداً من بين 600 مركز سرّي للاعتقال والتعذيب في البلاد".

وكشفت الصحيفة أنه في العام نفسه، "تمّ اختطاف آنا ماريا سوفيانتيني، البالغة من العمر 25 عاماً مع طفليها، ونُقلت معصوبة العينين إلى مبنى " ESMA "، حيث هناك سجنت لمدّة عام، وتعرّضت للتعذيب من قِبل أفراد من الجيش، قتلوا و"أخفوا" 30 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد، طيلة فترة حكم النظام السابق".

"كونك امرأة"

أصبحت قصة سوفيانتيني الآن جزءاً من معرض المتحف، بعنوان "كونك امرأة"، الذي انطلق عام 2019، ويستمر ويتّسع مع إضافة المزيد من شهادات الناجين إلى المعرض. كما تنقّل بين بلباو وواشنطن العاصمة.

يقدّم معرض "كونك امرأة"، أفلاماً وصوراً فوتوغرافية، وأرشيفاً للشهادات القضائية لأكثر من 130 ناجية عام 1985، "ويسرد قصصاً عن حالات الاغتصاب وغيرها من الانتهاكات المروّعة".

تقول سوفيانتيني، التي تحدثت للمرّة الأولى عندما أدلت بشهادتها في محاكمة عام 1985،"لقد بقيت صامتة لسنوات، فالكلام عمّا حدث هناك كان مؤلماً للغاية، لكننا الآن لن نتوقف عن الدفاع عن الحقيقة والذاكرة والعدالة".

 أضافت: "عندما كنت مسجونة هناك، لم أتمكن من سماع الطيور أبداً، الآن أذهب إلى هناك، والمتحف مليء بالزوّار والشباب ومنظمات حقوق الإنسان والفنون. عاد بعض الناجين وأفراد عائلات الأصدقاء المختفين إلى العمل هناك، وهم الآن أصدقائي، كما عادت الطيور".

وتابعت: "بعيداً عن كل الموت، أواجه الحياة الآن، إنها محاولتنا للحديث بعد أن نجونا، لإعادة الإعمار معاً والمضي قدماً".

وأوضحت الصحيفة أن سوفيانتيني "كانت من بين 5 آلاف طالب وعامل وناشط مدني تمّ تصنيفهم على أنهم "مخرّبين" أو "شيوعيين"، مرّوا عبر " ESMA "، وواحدة من 200 شخص تمكّنوا من الخروج على قيد الحياة. بعد أن تمّ تخدير آخرين وإسقاطهم في النهر أو المحيط الأطلسي في "رحلات الموت" سيئة السمعة".

وكشفت "آرت نيوز" أن النساء الحوامل "أنجبن في المبنى قبل أن يتمّ قتلهن، ويتمّ أخذ أطفالهن وتسليمهم إلى عائلات أخرى تخفي أصولهم. (اليوم، هناك مئات الأشخاص الذين ولدوا في تلك السجون، وهم في الأربعينيات، ويعيشون بهويات مزيّفة).

حماية رمزية

وقال مدير متحف " ESMA " مايكي جوروسيتو، "إن المتحف يسهم في فهم الأرجنتين وما جرى في هذا البلد، ومن الضروري معرفة ما حدث في الديكتاتورية الأخيرة، إن ذلك يساعدنا على إدراك الأسباب والعواقب. لكنها أيضاً نظرة إلى المستقبل".

وأكد أن إدراج المتحف ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو "يمنحه حماية رمزية ومادية". أضاف: "ستتحمّل الحكومة مسؤولية التأكيد دولياً على حدوث هذه الحقائق، وسيكون لدى العالم وعي أكبر بضرورة الحفاظ على الذاكرة الجماعية، حتى لا تتكرّر تلك الأحداث مرّة أخرى".

وبغضّ النظر عن الاستقطاب السياسي، هناك إجماع اجتماعي قوي في الأرجنتين حول ما حدث خلال فترة الدكتاتورية بفضل الأدلة القانونية. في عام 1985، أصبحت الأرجنتين الدولة الوحيدة في أميركا اللاتينية التي تمّت فيها محاكمة حكومة مدنية ضدّ المجلس العسكري التابع لها، وجزء من هذه الشهادة هو ما يظهر في معرض "كونك امرأة" في " ESMA ".

وكانت لجنة التراث ناقشت خلال الأسبوعين الماضيين، أكثر من 50 موقعاً طبيعياً وثقافياً في جميع أنحاء العالم، واختارت المواقع التي ستتمّ إضافتها إلى قائمة التراث العالمي، وتوفير الحماية القانونية لأولئك الذين يعتبرون "ذوي قيمة استثنائية للإنسانية".

* الشرق