رمضان.. شهر الاجتهاد وتجديد العهد مع الله تعالى

2023-04-03 02:45:13 أخبار اليوم/ متابعات

 

إن أعظم ما في شهر رمضان هو اقتران العبادات فيه بالأعمال، وهما يجتمعان في القيمة الروحية والتعبدية والممارسة الإيمانية الخالصة التي لا يجزي عليها إلا الله وحده. فالعمل لغة أهل القرآن وهو جزء من الإيمان، فلا نجد آية فيها عمل إلا ويتبعها أو يوافقها مفهوم الإيمان بالله كقوله تعالى: "َبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" (البقرة: 25).

وأعظم ما اقترن به شهر رمضان المبارك بأن القرآن الكريم نزل فيه، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، والمقصود بالنزول هنا هو نزوله الأول من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وذلك كان في ليلة واحدة، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3]؛ وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وتحدّث المولى عزّ وجلّ في كتابه عن عظمة القرآن الكريم، ومن خلال آياته الحكيمة نبيّن هذه العظمة من خلال مقالين متتاليين (علي الصلابي، الإيمان بالقرآن الكريم).

فقراءة القرآن هي التجارة الرابحة، وذلك في جميع الدُّهور، وعلى مدى الأيام والشهور؛ لكنَّ لها في رمضان شأنًا أعظم وآكد؛ فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانت تزيد عنايته بالقرآن في رمضان (سلمان العودة، مجالس رمضانية).

وقد منّ الله على المسلمين بتفضيل بعض الأوقات على غيرها وبدعوتهم فيها للتقرّب منه والتزلّف إليه، تهذيباً لنفوسهم، وتطهيرا لقلوبهم؛ فيبقى العبد طاهرَ القلب نقيَّ النفس، فينال أعظم غاية؛ رضى الله والفوز بمحبته، كما جاء عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غلّ، ولا حسد» [أخرجه ابن ماجه، (2/1409)، وإسناده صحيح].

في الصيـام حكم وفوائد كثيرة، مدارها على التقوى، فالصيام يؤدي إلى قهر الشـيطان، وكـسر الشهوة، وحفظ الجوارح، ويربي الإرادة على اجتناب الهوى، وفيه كذلك اعتياد النظام، ودقة المواعيد (المنجد، سبعون مسألة في الصيام، ص: 7). ولهذه الغاية العظمى جعل الله في كل وقت فرصةَ زيادة تقرب من عباده إليه، فآخر الليل هو خير اليوم، ويوم الجمعة خير أيام الأسبوع، وفي السنة جعل شهر رمضان خير الشهور؛ فمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وفي العمر كله حج بيته، فمن حج فلم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه، وفي رمضان جعل خيره آخره، وجعل فيه خير الليالي على الإطلاق وهي ليلة القدر، وتأكيدا على قدْر تزكية النفوس في العبادات التي شرعها الله تعالى، نرى أنّ الله سبحانه جعل الغاية الكبرى من الصيام: التقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]؛ "وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم، إنها التقوى، فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله وإيثارا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفا وضيئاً يتجهون إليه عن طريق الصيام" (قطب، سيد، في ظلال القرآن، 1/194).

إنّ الذي يلتزم بالصيام ويعمل بمقاصده وغاياته، تتهذّب وتتجمل أخلاقه ويحسن سلوكه، وكذلك المجتمع تتغير منظومة أخلاقه من السيئ إلى الحسن، وبالتالي تتحقق الغاية المرجوة (التقوى)، والمتأمل في فريضة الصوم يجد أنها ذات صلة كبيرة بكل القيم والأخلاق الجميلة والحسنة، كالإيثار، والإنصاف، والتسامح، وحسن الظن، والحلم والحياء والرضا..

لم تكن في لحظة غاية الصيام تجويع الصائمين وحرمانهم مما أباح الله لهم بمعزل عن القيم النفسية والروحية والاجتماعية، بل إن تهذيب الإنسان عقله وخلقه وسلوكه ونظرته للحياة هو المقدم على كل المقاصد والغايات، من هنا حق لنا أن نقول إن فريضة الصوم من أعظم فرائض الدين وعبادته، وعلى مستوى كل الشرائع؛ الإسلام وما سبقه.

* الجزيرة

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد