توصل فريق علمي من جامعة جنوب الدانمارك إلى أن كميات كبيرة من الكربون تتراكم في خنادق البحار في الأعماق السحيقة للمحيطات .

ونشر الباحثون 3 دراسات في 3 دوريات علمية مختلفة، وأشاروا في دراساتهم إلى أن الخنادق تلعب دورا مهما في تخزين المواد العضوية في أعماق البحار، وفي توازن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي .
استكشاف خنادق البحار

تُعد خنادق أعماق البحار من أقل الأماكن استكشافا على الأرض بسبب صعوبة الوصول إليها؛ فهي سوداء مدلهمة والضغط فيها مرتفع للغاية، لذلك فإن جمع العينات وإجراء قياسات موثوقة للعمليات التي تنظم دوران المواد العضوية في العمق أمر صعب .

لكن في السنوات القليلة الماضية، قام باحثون من جامعة جنوب الدانمارك بعدد من الرحلات الاستكشافية إلى مناطق خنادق أعماق البحار، التي تعرف باسم Hadal zone وهي مناطق الخنادق التي تقع على أعماق بين 6 إلى 11 كيلومترا أسفل سطح البحر .

واستخدم الباحثون في رحلاتهم الاستكشافية لمنطقة الخنادق "روبوتات" متطورة تحت الماء قاموا بابتكارها مسبقا، وأظهرت الدراسة أن تلك الخنادق شديدة الانحدار في أعماق البحار، وتتراكم فيها مواد مختلفة، بما في ذلك الكربون العضوي الذي ينتهي في قاع الخنادق، كما كشفت عن أنه يمكن أن يكوّن قاع الخندق في أعماق البحر نقطة ساخنة حقيقية لترسيب أشكال الحياة الميكروبية التي تحول المادة .

تراكم الكربون في الخنادق

حسب البيان الصحفي لجامعة جنوب الدانمارك، فقد توصل الباحثون إلى أن الكربون العضوي -الذي يصعب تحلله، بما في ذلك ما يسمى الكربون الأسود- يتراكم بكميات كبيرة في قاع الخنادق .

والكربون الأسود يتكون من جزيئات تكونت أثناء حرق الوقود الأحفوري والأخشاب والغابات؛ وهو ما يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي فإن وجود الكربون الأسود مؤشر على مدى احتراق الأحافير، إذ يمكن أن تسهم الجسيمات نفسها أيضا في الاحترار، حيث تنقلها الرياح والطقس إلى المناطق المغطاة بالجليد -مثل المناطق القطبية - فتستقر على الجليد مما يزيد امتصاص الحرارة؛ وبالتالي الذوبان .

ويقول رئيس الفريق العلمي للدراسة روني إن غلود الأستاذ ورئيس المركز الدانماركي للأبحاث المتخصص في دراسة خنادق العميقة "الآن نرى أن كميات كبيرة من الكربون الأسود ينتهي بها المطاف في قاع خنادق أعماق البحار ".

من ناحية أخرى، يقول بيان الجامعة إن الباحثين حصلوا على عينات من عمق أكثر من 6 كيلومترات، وتم تحليلها، ووجدوا أنه في عام واحد يتم تخزين ما بين 500 ألف إلى مليون و500 ألف طن من الكربون الأسود في أعماق البحر .

أنواع الكربون المرنة

يضيف بيان الجامعة أنه "ليست هناك فقط كميات كبيرة غير متناسبة من الكربون الأسود تترسب في الأعماق، بل يحدث الشيء نفسه بالنسبة لأنواع الكربون المرنة الأخرى التي يصعب تحللها، حيث أظهرت التحليلات أن كل متر مربع في الأجزاء الوسطى من خندق أعماق البحار يدفن 70 مرة من الكربون الأكثر مرونة مقارنةً بأعماق البحار بشكل عام ".

ويقول غلود "رغم أن المنطقة التي تم استكشافها لا تشكل سوى جزء صغير جدا من قاع البحر، فإنه يتم تخزين المزيد من الكربون بشكل غير متناسب أكثر من أعماق البحار بشكل عام. لذلك ورغم حقيقة أن الخنادق العميقة لها معدل دوران كبير نسبيا للميكروبات، فإن هذه المنطقة التي تمت دراستها تمثل جزءا من دورة الكربون العالمية وتعكس معدل تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ".
البحر مكب للنفايات

يقول بيان الجامعة إن هناك احتمالا أن يكون الكربون الأسود ناتجا عن حرق الوقود الأحفوري في البلدان المجاورة للدانمارك التي ترسل الكربون الأسود إلى البحر مع الريح .

وتتوافق هذه الفرضية مع حقيقة أن محتوى الكربون الأسود أعلى في الخنادق القريبة من البلدان الصناعية، في حين أن الخنادق القريبة من البلدان الأقل تصنيعا مثل غينيا الجديدة بها محتوى أقل .


وحسب روني إن غلود، تعمل خنادق أعماق البحار مناطق ترسيب للمواد العضوية، حيث يتم تسهيل العملية من خلال الزلازل المتكررة، إذ تحمل هذه الزلازل كميات كبيرة من المواد إلى أعمق أجزاء الخنادق وتدفنها في رواسب خالية من الأكسجين، وهذا ما يؤدي إلى تراكمها على مدى قرون وآلاف السنين، وبالتالي قد يتساءل المرء عما إذا كانت خنادق أعماق البحار مناسبة لتخزين الكربون .

ويقول غلود "لطالما استخدم الإنسان البحر وأعماق البحار كمنطقة نفايات بحجة أنه بعيد عن الأنظار وبعيد عن العقل، لكننا نعلم اليوم أن هذا ليس صحيحا . المحيط غني بالحياة، وبما يحتويه من مواد بيولوجية وكيميائية، وحيوية العمليات فيه مهمة لوظيفة الكرة الأرضية؛ وهذا ينطبق أيضا على خنادق البحار ".

ويضيف "نحن نعلم اليوم أن تلك الخنادق التي تمت دراستها تتمتع بحياة غنية ومتنوعة، وهي ديناميكية ومتنوعة للغاية، وهذه المواد من الأرض والسطح تجد طريقها إلى الداخل، ومنها للأسف البلاستيك والملوثات الأخرى التي تصل إلى أعماق المحيطات، وهو ما أظهرته عينات الرواسب التي تم الحصول عليها من منطقة الدراسة، التي تحتوي على مستويات عالية من الزئبق ".