التصوير متعدد الأطياف يمكّن الباحثين من اكتشاف أقدم خريطة نجمية في دير سانت كاترين

2022-10-25 01:46:15 أخبار اليوم/ متابعات

  

ظل دليل هيبارخوس النجمي ضالة العلماء لعدة قرون، ومؤخرا اكتشفت المخطوطة التي تضم بين طياتها أول دليل نجمي في التاريخ بدير سانت كاترين في شبه جزيرة سيناء المصرية، والذي يُعتقد بأن عالم الفلك هيبارخوس هو من قام بتدوينه. وستنشر نتائج الاكتشاف في دورية "جورنال فور ذا هيستوري أوف أسترونومي " في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

واشتهر دليل "هيبارخوس" فترة طويلة بأنه أقدم محاولة عرفها التاريخ لتسجيل مواقع النجوم والأجرام السماوية الظاهرة للعين المجردة بالإحداثيات الدقيقة، غير أن الأدلة على وجود دليل "هيبارخوس" ظلت غاية في الندرة، على عكس دليل بطليموس الذي تم حفظه وتوثيق محتواه في كتاب " المجسطي ".

 

ودفع ذلك بعض العلماء إلى الادعاء بأن دليل هيبارخوس لم يكن موجودا على الإطلاق، وقال آخرون إن بطليموس نسخ بيانات هيبارخوس ونسبها لنفسه. وهذا ما سينفيه الاكتشاف عن بطليموس .

  

نص فوق النص

 

ثار فضول الباحث في الدراسات التوراتية بيتر ويليامز أثناء فحصه مخطوطة مسيحية قديمة عام 2012، وذلك بعد ملاحظة ما خلف الأحرف، وكلف طلابه بالعمل على المخطوطة كمشروع صيفي، وقاموا باستخدام مستشعر التصوير متعدد الأطياف لفحص إحدى تلك المخطوطات اليونانية القديمة، التي تعرف باسم "مخطوطة كوديكس كليماسي"، وهي عبارة عن طرس يضم 11 مخطوطة لنصوص فلسطينية آرامية للعهدين القديم والجديد. والطِرس عبارة عن صحيفة مُحيت ثم كُتب عليها من جديد .

وعثر أحد الطلاب (يدعى جيمي كلير) على نص باللغة اليونانية يتضمن أساطير نشأة النجوم، ويُنسب على الأغلب إلى عالم الرياضيات والفلك إراتوستينيس كبير أمناء مكتبة الإسكندرية. وتعود بعض المخطوطات الموجودة في هذا الطرس إلى ما كان في الأصل مجلدا قديما يحتوي على أجزاء من قصيدة الظواهر الشهيرة لأراطوس السليائي من القرن الثالث قبل الميلاد التي تصف الكويكبات أيضا .

ومن المرجح أن تكون تلك المخطوطات نسخت في القرن الخامس أو السادس الميلادي وفقا للتأريخ بالكربون المشع ونمط الكتابة. وقد لاحظ جيمي كلير -الذي كان طالبا في جامعة كامبريدج آنذاك- صِبغة فلكية لآثار بعض النصوص أسفل النص المكتوب. وظل هذا اللغز محيرا حتى عام 2021 .

وحين عكف ويليامز على فحص المخطوطات باهتمام أكبر لاحظ شيئا أكثر غرابة دفعه إلى عرض المخطوطات على فيكتور جيمسبرغ الباحث في تاريخ العلوم في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، الذي أكد بدوره أن ما هما بصدده ما هو إلا خريطة واضحة للنجوم .

  

هل هو دليل هيبارخوس النجمي المفقود؟

 

ما أثار اهتمام ويليامز وجعله يتعاون مع الباحثيْن جيمسبرغ وإيمانويل زينغ لفك شيفرة المخطوطة التي ستسفر الملاحظات عن أنها أقدم خريطة نجمية وضعها الأب الروحي لعلم الفلك هيبارخوس؛ هو وجود أرقام وقياسات اكتُشف لاحقًا أنها قياسات فلكية وإحداثيات دقيقة لمواقع الأجرام في كوكبة "الإكليل الشمالي ".

 

ووفقًا للتقرير المنشور على موقع "نيتشر " حول الدراسة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري، فإن المخطوطة التي أسهم كل من جيمسبرغ وزينغ في تفسيرها ستنشر مع ترجمات وتفسيرات لبعض النصوص التي عثر عليها أسفل النص الأصلي، التي توضح حساب الإحداثيات للأجرام السماوية ومواقعها الدقيقة في كوكبة الإكليل الشمالي .

ويوضح القسم الأول من المخطوطة امتداد الكوكبة طولا وعرضا، معبرا عن كل منهما كقيمة بالدرجات. أما القسم الثاني فيُسمِّي النجوم في كل حد من حدود الكوكبة، ويعطي إحداثياتها الدقيقة في أقصى الشمال والجنوب والشرق والغرب، وبالتالي يرسم خريطة أصغر مستطيل كروي يحتوي على جميع النجوم التي تعد جزءا من الكوكبة .

وعلى الأرجح فإن البيانات الرقمية في القسم الأول مشتقة في الأصل من الإحداثيات المذكورة في القسم الثاني، لكن حدود الكوكبات تشكل مستطيلات بسيطة بدل الأشكال المعقدة التي قدمها الفلكي البلجيكي يوجين ديلبورت في خريطته النجمية المعروفة .

  

دقة الإحداثيات

 

وبالنظر إلى الأسلوب المميز الذي ظهر جليَّا في وصف البيانات، فإنه يدل على أن هيبارخوس هو من ألّف هذا الدليل، لكن الدليل الأجدر بالاهتمام والذكر هو دقة قياسات الفلكي القديم التي مكّنت الفريق من تحديد تاريخ تلك الملاحظات بالرجوع إلى خريطة السماء في ذلك الوقت عن طريق ظاهرة الاستباقية .

وظاهرة الاستباقية هي ظاهرة دوران الأرض ببطء على محورها بمقدار درجة واحدة تقريبا كل 72 عاما، مما يعني أن مواقع الأجرام "الثابتة" في السماء تتغير ببطء هي الأخرى. وتمكن الباحثون باستخدام هذه الظاهرة من مقارنة الوقت الذي ربما دوّن فيه هيبارخوس دليله النجمي والتحقق منه، ووجدوا أن الإحداثيات تتوافق مع إحداثيات عام 129 قبل الميلاد، الذي يوافق الزمن الذي عمل فيه هيبارخوس على ملاحظاته .

ويعد الدليل النجمي الذي دوّنه العالم الفلكي بطليموس في الإسكندرية خلال القرن الثاني الميلادي الدليلي النجمي الوحيد الذي صمد من العصور القديمة حتى يومنا هذا، حيث يعد مُؤَلفه " المجسطي" من أكثر النصوص العلمية تأثيرا في التاريخ، وبمثابة نموذج رياضي للكون يتخذ من الأرض مركزا .

 

وظل نموذج بطليموس مقبولا لما يزيد على 1200 عام. ومع ذلك فقد ورد عدة مرات في المصادر القديمة أن هيبارخوس هو من قاس إحداثيات النجوم لأول مرة قبل 3 قرون تقريبا بين 190 و120 قبل الميلاد .

واستنتج الفريق من البيانات المدونة أن بطليموس لم ينسخ ملاحظات هيبارخوس، لكنه ربما بنى ملاحظاته عليها. ومن الملاحظ أيضا أن هيبارخوس بنى نظام إحداثياته استنادا إلى خط الاستواء السماوي، وهو نظام أكثر شيوعا في خرائط النجوم الحديثة، على عكس بطليموس الذي بنى نظام الإحداثيات الخاص به اعتمادا على مسار الشمس .

  

أمل جديد

 

وفي حين لم يتم بعدُ فك رموز جميع أقسام "مخطوطة كوديكس كليماسي"، يأمل الباحثون اكتشاف المزيد من إحداثيات النجوم مع تحسن تقنيات التصوير، مما يمنحهم مجموعة بيانات أكبر للدراسة .

ويمهد التصوير متعدد الأطياف الطريق لاكتشاف كنوز ثمينة مدفونة أسفل نصوص الأطراس المحفوظة في الأرشيفات حول العالم .

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد