سيطرت المليشيا على مدينتهم فانتقلوا بصحبة مقاعدهم وأحلامهم إلى مأرب..

118 خريجاً من طلبة "الجوف" ينقشون قصة إصرار وتحدي في زمن الحرب

2022-10-22 03:17:27 أخبار اليوم/ متابعات

 

على مقاعد الخريجين في حفل تخرج الدفعة الثانية من قسم اللغة الإنجليزية في كلية التربية والعلوم التطبيقية والإنسانية بمحافظة الجوف، تجلس "مريم عامر"، سعيدة بتحقيق حلمها في نيل الشهادة الجامعية، بعد أربعة أعوام من العناء، ظنت في مراحل منها أن الوصول لهذه اللحظة بات مستحيلاً بعد تمدد جيوش الظلام وسيطرتهم على مدينتها.

كادت أحلام هؤلاء أن تموت بعد سيطرت مليشيا الحوثيين على المحافظة، لكنهم قرروا تحدي الميليشيا التي حولت كليتهم إلى سجن ومعرض لصور قتلاها، وبلغوا ما يريدون.

تتذكر مريم اللحظة، حين كانت وزملاؤها في قاعة الدراسة، "كانت لدينا محاضرة writing ، وفي نحو الساعة العاشرة والنصف صباحاً، دخل علينا شاب وقال: تفرقوا، ما عاد باقي أحد في الكلية إلا أنتم!، كان الجميع قد غادروا"، وكما تروي مريم، كان ذلك قبيل وقت قصير على وصول جحافل ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران وسيطرتها على مدينة الحزم مركز محافظة الجوف الواقعة في عمق صحراء الربع الخالي، شمالي اليمن.

في ظهيرة ذلك اليوم، الأحد، الأول من شهر مارس 2020م، عاد الحوثيون إلى المدينة وأحكموا قبضتهم عليها للمرة الثانية، وأيقنت "مريم" أن هذا قد يكون آخر درس تتلقاه في كليتها، وأن مستقبلها الدراسي أضحى "على كف عفريت".

تقول مريم لـ"المصدر أونلاين": "غادرنا القاعة مذعورين، وفي أفواهنا تساؤلات، هل تكون هذه آخر محاضرة نتلقاها؟ هل ينتهي الحلم هنا؟! في الخارج كان الغبار يغطي المنطقة، وكنا نسمع أصوات الاشتباكات تأتي من أطراف المدينة، والناس في قلق ومعظمهم ينزحون نحو مدينة مأرب، آخر ملجأ آمن".

وتضيف: "غادرنا خلسة، أخَذَنا والد زميلتنا على متن سيارته إلى منزلنا الواقع في منطقة بعيدة من مركز المحافظة، وصلت إلى جدتي هناك وعشنا في قلق وخوف، وبعد أن سيطر الحوثيون على المحافظة، أعادوا الاتصالات التي قطعوها لأكثر من شهر، كما أعادوا المدينة ألف خطوة إلى الوراء".

كانت "مريم" وإلى جوارها المئات من الطلبة في عامهم الدراسي الثاني بالكلية التي تأسست حديثاً في المدينة، وتتبع جامعة إقليم سبأ والتي يقع مقرها الرئيس في مأرب، وتضم أقسام "نظم المعلومات، والإدارة العامة، والأحياء، وعلوم القرآن، واللغة الإنجليزية، إضافة إلى معلم صف".

يقول مستشار محافظ الجوف لشؤون الشباب علي العنثري لـ"المصدر أونلاين": كان تأسيس هذه الكلية كالنور الذي أشع على المحافظة بعد عقود من الظلمة، حيث كانت تعاني من عدم وجود جامعة حكومية برسوم يمكن أن يتحملها الطلاب"، ويضيف: "كان عدد الطالبات فيها أكثر من الطلاب، وكسرت عقدة الكثير من أبناء الجوف في أن التعليم ليس للبنات".

ويتابع: "تمكنت الكلية أيضاً من تغيير النظرة السائدة عن المحافظة، وأثبتت حب أبنائها للتعليم والثقافة والمدنية وسعيهم لها، حملة البكالوريوس في محافظة الجوف لم يكونوا يصلوا إلى 5% ممن يتمكنون من إكمال المرحلة الثانوية، وسبب كل ما عانته المحافظة ولا زالت تعانيه هو الجهل".

ومنذ سيطرة مليشيا الحوثيين على المدينة أوصد باب النور المضيء للمحافظة، وتوقفت الكلية حتى اللحظة، تقول مريم: "حولوها إلى قسمين أحدهما سجن والآخر معرض لصور قتلاهم!"، وتضيف: "بعد ذلك تفرقت طرقنا واستشهد بعض رفاقنا، حينها تسلل اليأس إلينا وكدنا نفقد الأمل ليأتي وباء (كورونا) ويكمل ما بدأه الحوثي. مرت شهور ثقيلة يصعب على المرء أن يفكر في نفسه وهو محاصر من جميع الجهات".

وتضيف: "لم يكن عداء الحوثيين للكلية وليد اللحظة، ففي السنة الأولى من دراستنا كانت المدينة شبه محاصرة من قبلهم والحرب كانت مستمرة وكانت بعض القذائف تصل بالقرب منا"، و"كان زملاؤنا في طرف المدينة في (المتون) يعانون كثيراً في الطريق التي يقطعها الحوثيون بهدف إيقاف العملية التعليمة التي يرون فيها خطراً عليهم، ويوقفوا حافلات الطالبات مما يضطرهن إلى المشي ساعات طويلة وأحياناً تتم إعادتهن من منتصف الطريق"، "أيضاً كان زملاؤنا من الشباب في الجبهات، يحمون المدينة من الميليشيا، يعود أحدهم محمولاً والآخر مبتور الأطراف، لكن وبعد سيطرتهم قضوا على التعليم بشكل تام، وما إيقاف الكلية إلا تعبير عن ذلك".

بعد ثلاثة أيام على اجتياح الحوثيين للمدينة، غادرت مريم محافظتها نحو مأرب، في سفر مضنٍ قطعت خلاله المسافة بين المحافظتين المتجاورتين "في نصف يوم بعد أن كنا نقطعها في ساعتين، وذلك نتيجة قطع الحوثيين للطرق الرئيسية ما اضطرنا لعبور الصحراء، واستقرينا في مدينة مأرب، ننتظر بصيص أمل يشرق على محافظتنا".

وعن الأوضاع عقب النزوح إلى مأرب يقول "محمد النسر" وهو ضمن دفعة الخريجين من قسم الإدارة العامة، للمصدر أونلاين: "كنا توقفنا عن الدراسة بعد سيطرة الحوثيين ونحن في الترم الأول من السنة الثانية، وكانت مواصلة التعليم بعد ذلك صعبة للغاية، حيث اضطررنا للخروج إلى مأرب، وهناك مكثنا فترة من دون دراسة، لكن بفضل الله، انتقلنا للدراسة في الجامعة الأم".

ويوضح: "مع ظرف النزوح والإيجارات كانت الدراسة مهمة صعبة، إلا أننا تمكنا بفضل الله من تحدي الصعاب وأنهينا الدراسة، والآن نحتفل بعدد 118 متخرج ومتخرجة (68 طالبة، و50 طالب) من ثمانية أقسام، والعام الماضي تخرج 150 طالب وطالبة من خمسة أقسام".

ووراء ذلك تفاصيل يرويها علي العنثري، فيقول: "قبل عامين قام ملتقى شباب من أجل الجوف بمبادرة شبابية جمعت مبالغ ومخصصات من رجال الأعمال في المحافظة، ووفرت سكن للطلاب، وقد ساعد ذلك كثيرا وأنقذ عشرات الطلاب من فقدان مستقبلهم وتعبهم في ماضيهم وسنواتهم التي تعبوا فيها"، مضيفاً: "لم يكن ذلك كافياً لإعادة جميع الطلاب إلى الدراسة، فقد انحرم المئات بسب بعد المسافة وعدم القدرة على تحمل نفقات السكن والعيش في مأرب".

تقول مريم التي ما تزال تجلس في صف الخريجين إلى جوار العشرات من زملائها وعيناها تبرقان فرحة: "أكملنا السنة الثانية والثالثة وجزء من شبابنا في الجبهات والآخرون يقطعون المسافات في رمال الصحراء ليلتحقوا بنا. والعام الماضي تخرجت الدفعة الأولى للكلية دفعة (كنوز الجوف)2020/2021، وعددهم مئة وخمسون طالباً وطالبة بعد أن منهم نحو اثني عشر شهيداً من خمسة أقسام، في مواجهة الميليشيات بجبهات القتال".

وتضيف محتفية بعظمة الإنجاز: " تحدينا الصعاب من أول وهلة دخلنا فيها إلى هذه الصرح التعليمي، وربما كان يليق بنا هذا التحدي لنصل إلى يومنا المنتظر يوم تكريم لجهود بذلناها وأثمان دفعناها من دماء قلوبنا".

وشهد التخرج الذي أقيم في مأرب يوم الأربعاء، احتفالاً رائعاً، احتفى فيه أبناء الجوف بهذا الإنجاز، رافقته فرحة عارمة على منصات التواصل الاجتماعي، "فقد كان تخرج هذه الأعداد مجرد حلم بالنسبة لأبناء المحافظة، على الرغم من أنه لم يكن العدد كاملاً، فقد تخلف المئات عن مواصلة الدراسة بعد احتلال الجوف من قبل الحوثي وتحويل الجامعة إلى معرض لصور قتلى الميليشيا"، بحسب العنثري.

ويشير العنثري إلى أن "الطلاب الذين يأتون إلى مأرب يعانون ولكن إصرارهم وحرصهم يجعلهم يتحملون، وهناك المئات يريدون الدراسة ولكنهم غير قادرين على تحمل التكاليف في ظل عدم مبالاة من سلطة الجوف ولا من الحكومة والرؤساء المتعاقبين".

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد