الاقتصاد الوطني... عملة متهالكة ودعم الأشقاء في علم الغيب

2022-01-09 07:34:19 اخبار اليوم/تقرير خاص

 



لم تمض سوى أيام قلائل على تحسن سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، بعد أن وصل إلى مستويات قياسية في الانهيار، حيث سادت حالة من التفاؤل المشوب بالحذر، إلا أنه عاود الارتفاع من جديد ليتخطى حاجز الألف ومائة ريال مقابل الدولار الواحد، رغم الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي والوعود الخليجية بدعم الاقتصاد.

ورغم التفاؤل الذي ساد الأوساط المصرفية والاقتصادية باستقرار سعر الصرف خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن التراجع كان مفاجئا، بحسب خبراء اقتصاد، خاصة مع تواجد محافظ البنك المركزي اليمني المعين حديثا، أحمد المعبقي في عدن، واجتماعه بممثلي شركات الصرافة في المدينة، وتأكيده على اتخاذ البنك المزيد من الإجراءات لتعافي العملة المحلية.

أسباب التراجع

في السياق، يقول شلال العفيف، الباحث اليمني في العلوم المالية والمصرفية: "إن معاودة انهيار أسعار صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية بعد أسبوعين من التعافي، جاء نتيجة لتأخر الإعلان الرسمي عن الوديعة السعودية المفترض تقديمها لدعم البنك المركزي اليمني في عدن".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، "أن تأخر الوديعة التي تم الحديث عنها خلال الفترة الماضية، دفع المضاربين بالعملات إلى نشر الإشاعات والاتفاق فيما بينهم على رفع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية، بهدف الدفع بالجمهور والتجار إلى شراء العملات الأجنبية خوفا من ارتفاعها أكثر، مما أدى إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية".

وتابع العفيف: "هذه التغيرات السريعة جاءت نتيجة للتحسن المفاجئ الذي طرأ على الريال خلال الأسبوعين الماضيين، ونظرا لأن التحسن لم يكن حقيقيا بفعل إصلاحات مالية ونقدية، أو نتج عن إجراءات قام بها البنك المركزي، وإنما كان بفعل توقعات المضاربين بالعملة في سوق الصرف، بل حدث التحسن بناء على أخبار متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن هناك وديعة سعودية مقدمة للبنك المركزي سوف يتم الإعلان عنها بشكل رسمي قريبا".

وأردف: "وكذلك الحديث عن عودة محافظ البنك المركزي اليمني إلى العاصمة عدن وأن لديه صلاحيات كبيرة وضمانات رئاسية ودولية من الرباعية الدولية، وكذلك التصريحات المنسوبة إليه بأنه سيتخذ إجراءات صارمة ضد كل المضاربين بالعملة تصل إلى إغلاق مؤسسات وشركات الصرافة وغرامات كبيرة، وعندما تأخرت تلك الإجراءات رأينا هذا الارتفاع في سعر الصرف مجددا".

فيما أكد الباحث في العلوم المالية، أنه "خلال الأسابيع الماضية توقع المضاربين بالعمل وبناء على الأخبار والتقارير الإعلامية أن ينخفض السعر كثيراً، لذا انتشرت حالة من الذعر والخوف لدى المضاربين وتوقفوا عن شراء العملات الأجنبية، مما أدى إلى انخفاض الطلب على العملات الأجنبية وانخفاض أسعار الصرف بشكل مفاجئ".

الوديعة العائمة.

من جانبه، يقول مازن النوبي، مدير إحدى شركات الصرافة في محافظة الضالع اليمنية، "إن الصرف كان قد انخفض خلال الأسابيع الماضية بسبب الشائعات التي انتشرت بين التجار والمواطنين في هذا التوقيت، بأن هناك وديعة للبنك المركزي مقدمة من دول الخليج، الأمر الذي تسبب بإخراج كل مدخرات المواطنين وكبار التجار من العملات الأجنبية واستبدالها بالريال اليمني، على أمل أنه سيتعافى مع حزمة الإصلاحات التي وعدت بها إدارة البنك، وكذا الودائع التي كانوا يعولون عليها".

وأضاف النوبي في حديثه لـ"سبوتنيك"، "أن هذا الأمر أدى إلى عرض كبير للعملات الأجنبية في السوق، وامتناع كثير من التجار المستوردين للمواد الأساسية من شراء العملات الأجنبية وانتظار سعر البنك النهائي بعد تعافي الريال اليمني، حتى وصل سعر الصرف إلى مستوى وهمي لا يساوي سعره الحقيقي بكثير".

وأشار النوبي إلى أنه "بعد تأخر سعر البنك أو أي تأكيدات بوجود وديعة خليجية للبنك، عاود كبار التجار شراء العملة والمضاربة بسعرها".

كان تجار ومتعاملون بشركات صرافة في محافظة عدن قد قالوا، إن الريال اليمني عاود الهبوط مجددا أمام الدولار والعملات الأجنبية بعد تحسن كبير خلال الأسبوعين الماضيين.

وأفاد صرافون في عدن لوكالة "رويترز" بأن "سعر صرف الدولار في جنوب اليمن في السوق السوداء الموازية مساء الخميس الماضي تجاوز عتبة الألف ريال للدولار الواحد ليسجل 960 ريالا للدولار للشراء و 1050 ريالا للبيع بعد أن كان عند 740 ريالا للشراء و830 ريالا للبيع".

وأكد المركزي اليمني على موقعه أن هذا السعر تأشيري من متوسطات أسعار السوق المحلية الموازية وأن أسعار الصرف معرضة للتغيير في أي لحظة دون إشعار مسبق نتيجة لتقلبات سوق الصرف.

ومن جهة أخرى، كشف مسؤول في إدارة البنك المركزي اليمني من مقره الرئيسي بالعاصمة عدن، عن أسباب تأخر وصول الوديعة السعودية والدعم الخليجي لليمن وبنكه المركزي، والذي تتداول انباءا عنه منذ وقت مبكر من الربع الاخير لعام 2021 .

وقال الدكتور يوسف سعيد أحد مستشاري ادارة البنك المركزي اليمني عدن وأستاذ علم الاقتصاد بجامعة عدن أن الوديعة قادمة والأخبار سارة وانه يجري حاليا وضع آليات استخدامها.

وأضاف سعيد في منشور على صفحته في فيسبوك: "لا تصدقوا الاشاعات التي تتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، فالوديعة ستدخل حساب البنك المركزي قريبا، حيث ان هناك وعود قوية وحقيقية ومؤكدة تصل الى حد الالتزام بتقديم وديعة جديدة، عبرت عنها القيادة السعودية خاصة للمسؤولين اليمنيين عقب استلام ولي العهد السعودي لرسالة الاخ رئيس الجمهورية بشان طلب المساعدة التي التقتهم مؤخرا".

وتحدث سعيد عن جزئية الوديعة ضمن مقال مطول جديد له نشره موقع صحيفة الوطن العدنية بعنوان (الإفراط في التوقعات والافراط في التشاؤم: محدد رئيس فيما يحدث لسعر الصرف) ، معللا اسباب تأخر إعلان ووصول الوديعة، حيث اضاف: "غير ان تأخر الإعلان الرسمي عن الوديعة ادى الى انتشار الاشاعة او ان المملكة امتنعت عن تجديد الوديعة، لكن هؤلاء لا يعلمون ان للتأخير جانب فني بحت".

وأكد د. يوسف سعيد أن الدول المانحة للوديعة استقدمت خبراء أجانب لوضع شروط وآليات استخدامها، حيث قال : "الجهود تنصب حاليا لوضع الشروط و الآليات لاستخدام الوديعة الجديدة خاصة وانه يجري في مثل هذه الحالات استقدام خبير اجنبي لوضع شروط وآليات الاستخدام حرصا من الجهة المقرضة على سلامة الاستخدام وضمان استعادتها مستقبلا كما حدث مع الوديعة السعودية السابقة".

واختتم سعيد : "لكن هذه المرة يحدث هذا بعد تجربة الوديعة السعودية السابقة وما اثير حولها من لغط واتهامات بينت المراجعات الاخيرة التي تمت في الأمم المتحدة حتى الآن عدم صحتها".

ابتزاز سياسي.

لا يكفي تفاءل مسؤولي الحكومة اليمنية بدعاوى الوديعة السعودية، لاسيما وأنها باتت حلم بعيد المنال، في وقت يعاني فيه اليمنيين الأمرين، ففي حين عايش المواطن اليمني حالة من الطمأنينة النسبية، تكدست أحلامهم وتبخرت على عتبات التلاعب السعودي بمستقبل البلاد.

واقع الحال اليمني يقول أن الوديعة السعودية لم تعد أكثر من كونها ورقة ابتزاز يستخدمها النظام السعودي لتمرير أجندته في البلاد، وقد بدا ذلك جليًا مع قرار اقالة محافظ محافظة شبوة الذي عكر صفو النفوذ الإماراتي في المحافظة وطالب بمنشأة بلحاف واخراج قواعد الإمارات من داخلها.

يبدو أن السعودية لم تكتف بعد بما حظيت به من قرارات رئاسية لتقدم الوديعة وتنقذ الوضع المتردي في البلاد، ويبدو أنها قد اعتادت ممارسة السياسة السادية بحق اليمنيين الذي باتوا يتضورون جوعًا، لتضع الملف الاقتصادي موضع المراهنة والمزايدة السياسية في خضم تقلبات المرحلة.


الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد