تمرّ هذه المناسبات الوطنية العظيمة، واليمن يعيش أحد أكثر فصول تاريخه مأساوية.
فبعد اثنين وستين عامًا على رحيل المستعمر البريطاني، يعود إلى الجنوب استعمارٌ جديد بأدواتٍ مختلفة،
وبعد ثلاثة وستين عامًا على سقوط حكم الإمامة في الشمال،
تعود الكهنوتية بثوبٍ أشد قبحًا، وبوجهٍ أكثر دموية،
لتخنق الجمهورية التي وُلدت من رحم ثورة سبتمبر المجيدة.
لقد خانت النخب السياسية الأمانة مرتين:
فرّطت بالشمال حتى سقط في يد الإمامة مجددًا،
وفرّطت بالجنوب فتحولت إلى جسرٍ لعبور الاستعمار بوجهه الحديث.
وبين عودة الإمامة في صنعاء، وتمدد النفوذ الأجنبي في عدن،
وجدت اليمن نفسها بلا سيادةٍ حقيقية،
ولا قيادةٍ تمتلك إرادة التحرير أو روح الثورة.
إن من يحق له اليوم أن يتحدث باسم سبتمبر وأكتوبر،
ليس أولئك الذين يقيمون المهرجانات ويطلقون التصريحات،
بل أولئك القابضون على الزناد في جبهات القتال،
الذين ما زالوا يحملون في صدورهم إيمان الثوار الأوائل،
ويستمدون من تضحياتهم معنى الحرية والسيادة والكرامة.
أما النخب السياسية التي أضاعت الشمال وأسلمت الجنوب،
ثم لبست ثوب الوطنية بعد أن باعت القرار والسيادة،
فهي آخر من يحق له الحديث عن الثورة أو الاستقلال.
فالثورات لا تُقاس بالخُطب،
بل تُقاس بمدى الوفاء لدماء الأحرار الذين سقطوا دفاعًا عن وطنٍ واحدٍ،
حُرٍّ، مستقلٍّ، لا يُدار من الخارج، ولا يُستعبد بالوصاية.