(في الذكرى الثانية والستين لثورة الـ 14 من أكتوبر... الإعلام والأهازيج تملأ الشوارع.
موكب كبير يمرّ من شارع المعلا متجهًا نحو التواهي. عشرات الأطقم المسلحة تُحيط بالمشهد.
يتوقف الموكب في خليج الفيل. ينزل القائد عيدروس الزبيدي، ويتجه نحو الشاطئ.
الوقت كان قبيل الغروب. يطلب من مرافقيه الابتعاد قليلًا.
يقف الزبيدي يتأمل البحر بصمتٍ عميق.)
على بُعد نحو 500 متر، يقف رجلٌ كبير في السن، ملامحه غربية، شعره رماديّ، يحمل فنجان شاي إنجليزي.
يلفتُ انتباه الزبيدي، فيتقدّم نحوه بخطواتٍ هادئة حتى يقترب منه.
• الزبيدي
(بابتسامةٍ متحفزة)
كيف حالك أيها الأجنبي؟ من أي دولة أنت؟
مرحبًا بك في الجنوب.
•• الرجل المسنّ
(بصوتٍ عميقٍ متهكم)
وهل ترحّب بي في مستعمرتي التي قضيتُ فيها أجملَ سنوات عمري؟
(يصمت الزبيدي قليلًا وقد تلوّنت ملامحه بالارتباك)
• الزبيدي
من أنت؟
•• الرجل المسنّ
(ينظر نحوه بثبات)
أنا السير توم هيكوك، المندوب السامي البريطاني في عدن سابقًا.
(يعدل من بدلته الكلاسيكية الأنيقة وهو يرفع فنجان الشاي.)
وأنت... من تكون؟
• الزبيدي
(يلتفت إلى حراسه مشيرًا إليهم بالابتعاد أكثر، ثم يجلس بجوار الرجل المسنّ)
أنا عيدروس الزبيدي،
رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي،
قائد القوات الجنوبية،
عضو مجلس القيادة للجمهورية اليمنية،
و... المندوب السامي لرئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد.
•• هيكوك
(بصوتٍ هادئ، يحمل عبق الماضي)
كنتُ المندوب السامي لجلالة الملكة في عدن...
حكمتُ هذه المدينة حين كانت جوهرة التاج البريطاني.
أنشأنا الميناء والمصفاة والكهرباء،
وبنينا المدارس والمعاهد والجامعة.
تركنا عدن مشرقة كعروس البحر.
وأنت... ماذا تركت؟
• الزبيدي
(ينتصب بثقةٍ مصطنعة)
نحن نحكم باسم الجنوب وبشراكةٍ مع التحالف العربي.
لدينا تفويضٌ من شعب الجنوب،
وثقةٌ من شركائنا الإقليميين.
•• هيكوك
(يميل للأمام بدهشةٍ ساخرة)
الإمارات؟ لم أسمع بهذا الاسم في خرائطنا القديمة!
هل أصبحت الواحة الصغيرة التي كنا نزودها بالماء والكتب دولةً تُعيّن مندوبين في عدن؟
• الزبيدي
(يبتسم بتفاخر)
تغيّر الزمن يا سعادة المندوب.
الواحات أصبحت إمبراطوريات مالية.
تشتري الموانئ وتدير الجزر وتموّل الجيوش.
ونحن نحكم باسمها... نحرس مصالحها كما كنتم تحرسون مصالح الملكة.
•• هيكوك
(يهز رأسه بأسفٍ ساخر)
غريب...
نحن حين جئنا بنينا،
وأنتم جئتم لتنهبوا.
انظر إلى هذه المدينة البائسة.
تركنا فيها كهرباءً تُضيء... وأنتم تبيعون الظلام.
تركنا ماءً يجري... وأنتم تحفرون العطش في قلوب الناس
• الزبيدي
(ببرودٍ متفاخر)
استولينا على كل ما تركتم.
وما لم نستطع السيطرة عليه... أغلقناه.
الكهرباء لنا، الميناء لنا، المطار لنا،
حتى المدارس تُدرّس تاريخنا الجديد
•• هيكوك
(يضحك بخفةٍ مرّة)
إذن فقد تعلمتم منّا جيدًا...
الفرق أن استبدادنا كان بثياب الإمبراطورية،
أما أنتم فبثياب التحرير!
•• هيكوك
(ينظر إلى البحر ثم إلى الزبيدي)
قل لي... أين أحفاد من ثاروا علينا؟
ألم يثوروا عليكم كما ثاروا علينا؟
ما تتعرض له عدن اليوم من ظلمٍ واضطهادٍ يفوق ما كانوا يتهموننا به!
• الزبيدي
(يضحك بخفةٍ ساخرة)
لا يا سعادة المندوب، نحن لسنا مثلكم.
إن رأينا أحد أبناء الثوار القدامى يريد إشعال ثورة ضدنا،
نتهمه بالإرهاب، وبالعمالة للاحتلال الشمالي،
أو بأنه إخواني... أو داعشي.
ثم نعتقله... أو نغتاله.
•• هيكوك
(يرفع حاجبيه بدهشةٍ حقيقية)
احتلالٌ شمالي؟ لم أسمع به من قبل.
هل كان موجودًا زمننا؟
• الزبيدي
(ببرود)
لا، لأننا قضينا عليه قبل أن يسمع به أحد.
•• هيكوك
(يقهقه)
يا لكم من عباقرة!
تخترعون الأعداء لتبرروا سلطتكم!
لقد صارت الأكاذيب عندكم مؤسسات رسمية.
•• هيكوك
(يخفض صوته فجأة)
سمعتُ أن سجونكم أكثر من مدارسكم... أليس كذلك؟
• الزبيدي
(بهدوءٍ متوتر)
نسميها “مراكز إصلاح”.
ندخل إليها من يسيء للأمن،
من يرفع صوته فوق صوتنا،
من يسأل: أين تذهب المليارات؟
من يطالب بالكهرباء... أو براتبٍ غائب.
نحن نحافظ على الهدوء.
الصمت عندنا نظام عام.
•• هيكوك
(ساخرًا، يضحك ضحكة قصيرة)
نحن كنّا نغلق الأفواه بالحديد،
وأنتم تغلقونها بالاتهام.
“إخواني، داعشي، عميل” —
كلمات أرخص من الرصاص،
لكنها تقتل أكثر منه.
(صوت أنين امرأة يأتي من بعيد، ثم صرخة رجل تُخمد فجأة.
يلتفت الزبيدي مضطربًا. يبتسم البريطاني بمرارة.)
•• هيكوك
ها هو صوت اليمن...
كنا نكتمه بالحديد، وأنتم تخنقونه بالأيدي اليمنية.
• الزبيدي
(يحاول التماسك)
نحن نحافظ على الاستقرار...
نمنع الفوضى... نحمي الجنوب.
•• هيكوك
ومن يحمي الإنسان منكم؟
كيف لحاكمٍ وطني أن يقبض راتبه من الخارج،
ويموّل جيوشه بمالٍ أجنبي،
ثم يتحدث عن السيادة؟
• الزبيدي
(ببرودٍ جليدي)
نأخذ المال لنحمي الشراكة،
نبقي الوضع تحت السيطرة.
التحالف يثق بنا... ونحن نثق بالتحالف.
•• هيكوك
(يبتسم ساخرًا)
التحالف؟
كنا نسميه “الإمبراطورية”.
نفس الفكرة... فقط تغيّر الاسم!
(صوت الرياح يعلو، البحر يضطرب. البريطاني ينهض، يلتقط قبعته، يتجه نحو البحر بخطوات بطيئة.)
•• هيكوك
تعرف يا سعادة المندوب الجديد؟
الفرق بيننا أنني كنت أحتل بلادًا غنية لأزيد غناها،
وأنتم تحتلون وطنًا فقيرًا لتزيدوه فقرًا.
• الزبيدي
(يرفع صوته بانفعالٍ دفاعي)
على الأقل... نحن نحكم!
•• هيكوك
(يلتفت بابتسامةٍ قاسية)
بل تُدارون.
نحن كنّا نُرسل المندوبين،
أما أنتم... فأنتم المندوبون.
(يتقدّم البريطاني تاركًا الزبيدي واقفًا مكانه، البحر أمامه، والعتمة تزداد.
صوت الموج يختلط بصوت المندوب البريطاني من بعيد.)
•• هيكوك (صوته يتردد مع البحر)
تحتفلون بجلاء بريطانيا...
لكن بريطانيا غادرت وخلّفت دولة،
وأنتم بقيتم وخلفتم خرابًا.
أنتم الجيل الذي باع الاستقلال بالتحويل البنكي،
واستبدل التاج البريطاني بفاتورة نفطٍ من الدويلة الراعية.
(الضوء يخفت أكثر، يُسمع صوت أمّ من الزنازين تقول: “ابني كان يحلم بوطنٍ حرّ.”)
•• هيكوك (بصوت خافت ممزوجٍ بأمواج البحر)
في عدن...
الاستعمار الذي تحتفلون برحيله... لم يرحل.
فقط غيّر لغته، ووجوه من يخدمونه.
(يرفع صوته بحدةٍ غاضبة)
أنتم أسوأ استعمار في التاريخ...
وأرخصه كُلفة!
عدن، هذه المدينة الجميلة...
انتقلت من التاج إلى التحالف،
تغيّر الاسم، وبقيت الهيمنة ذاتها.
بل... الأسوأ في التاريخ!
(تسقط قبعة المندوب البريطاني في البحر، والموج يبتلعها ببطء..
يعلو صوت البحر كأنه نواح مدينة كاملة.)
