تُرفع الستارة على مشهدٍ مكرّرٍ منذ سنوات، تتبدّل فيه الأسماء والمناصب، وتبقى المأساة ذاتها: قادة يتحدثون عن الشراكة فيما الوطن يتهاوى، ووجوهٌ تتقاسم الأضواء بينما الجوع يلتهم ما تبقّى من ملامح الشعب.
على خشبة اليمن تُعرض اليوم مسرحية عنوانها “الشراكة”، لكن النصّ مكتوبٌ بمداد الخداع، والممثلون يعتلون المسرح بأثواب البطولة الزائفة، يصفق بعضهم لبعض فوق أنقاض دولةٍ تمزّقت، فيما شعبٌ مقهور يصفّق من قاع الجوع، لا إعجابًا... بل قهرًا وعجزًا.
هكذا تُدار البلاد: بين مشهدٍ من التمثيل الرديء، وصمتٍ طويلٍ يليق بالجنازات لا بالحكومات.
•• بداية المشهد ( الجمعة ) 10 أكتوبر 2025
أكدوا التزامهم بمبدأ الشراكة،
وحين انفضّ الاجتماع، تعالت الأصوات في عدن — تجسيدًا عمليًا لمبدأ الشراكة — تطالب باستعادة “دولة الجنوب”،
وفي ذات اللحظة، ارتفعت أصوات أخرى من بعض دكاكين الساحل الغربي تطالب بإسقاط الجيش والأمن في تعز!
تحدثوا عن “الشراكة” وكأنهم ملائكة،
لكنهم لم يجرؤوا على إعلان أن قرارات عيدروس الزبيدي المنفردة باطلة،
ولم يجرؤوا على القول إن فرضها كأمرٍ واقعٍ بقوة السلاح هو انقلابٌ على مجلس القيادة نفسه.
أكّدوا بالإجماع تأييدهم لسياسات البنك المركزي،
بينما أغلبهم يسيطر عبر مكوناته المسلحة على مؤسساتٍ إيراديةٍ كاملة،
ويرفض توريدها إلى البنك المركزي إلا بأمرٍ من أمراء الميدان.
قالوا إنهم يدعمون الحكومة،
لكن وزراءهم أنفسهم خرجوا يعلنون تأييدهم لقراراتٍ انقلابيةٍ تنتقص من صلاحياتها،
ويعملون على تدمير ما تبقّى من مؤسساتها بأيديهم.
يتحدثون عن الإصلاحات،
وفي أياديهم فؤوسٌ تهدم كل محاولة إصلاح حقيقية،
يتحدثون عن الرواتب،
وفي خزائنهم أموال الدولة المنهوبة،
يدفعونها لمليشياتهم الكانتونية،
ويتركون جنديّ الوطن يواجه الجوع برصاصة الصبر الأخيرة.
يتحدثون عن السيادة،
وقد باعوا ما تبقّى منها في مزادات النفوذ الإقليمي،
يتحدثون عن القانون والدستور،
وهم أول من داس عليهما — بأحذيتهم العسكرية وقراراتهم الانقلابية.
يتحدثون عن قضية اليمن، عن الشعب، عن تحرير صنعاء وهزيمة المليشيات الحوثية،
لكنهم في الحقيقة يضعون ألف مانعٍ أمام التحرير،
ويُبقون الجبهات مجمّدة، ليطول عمر الفوضى وتطول سلطتهم.
يتحدثون عن الأمن واستقرار المحافظات المحررة،
وهم أكبر مهددٍ لذلك الأمن،
بل هم من يصنعون الفوضى ويغذّونها،
هم من يزرعون الألغام في دروب الاستقرار،
ويُشعلون كل يومٍ فتيلًا جديدًا من نارٍ لا تنطفئ.
الحقيقة أن هؤلاء، جميعهم، هم وجه الكارثة الواحد بأسماءٍ متعددة.
هم كل هزيمةٍ تلاحقنا،
كل خديعةٍ تُذبح بها آمالنا،
كل وجعٍ يسكن ملامح هذا الشعب.
هم الجوع في بطون الفقراء،
والقهر في قلوب الأمهات،
والخذلان الذي يثقل كاهل الجرحى،
والموت المؤجل لأسر الشهداء.
هم الإحباط الذي يملأ صدور الرجال،
والنكسات القادمة التي تُكتب بقراراتهم قبل أن تقع.
هم كل ما يقهر حياة اليمنيين،
لأنهم وببساطة، يمنعون هذا الشعب وجيشه من تحقيق انتصاره العظيم،
انتصاره على الاختلال الإيراني ومليشياته الحوثية،
وعلى كل الخونة والجبناء الذين يضعون الوطن في سوق المساومات.
لقد اختزلوا الدولة في جماعات،
والوطن في صفقة،
والشعب في صبرٍ يتآكل،
لكنهم نسوا أن الجوعى لا يخافون شيئًا،
وأن المقهورين حين يصرخون...
تهتزُّ العروش كلّها.