(ظلام دامس... ثم ينهض الضوء ببطء على امرأةٍ تخرج من بين الركام، تضع على كتفها وشاحًا ملوثًا بالغبار والدم. صوتها مبحوح، لكنه ثابت كصوت الأرض.)
•• تعز (بصوتٍ متهدّج):
أنا... أنا تعز.
المدينة التي لا تموت، وإن مات أبناؤها ألف مرة.
أنا التي حملت على كتفي كل وجع اليمن،
وأطعمتُ أبناءي من رمادي كي يبقوا واقفين.
يبتسمون في وجهي، لكنهم يخفون خناجرهم خلف ظهورهم،
يصافحونني وهم يزرعون الغدر في قلبي.
•• (تتقدم خطوة إلى الأمام، بصوتٍ أكثر صلابة.)
جبنائي كثيرون، يسكنون أزقّتي وقلبي وسواحلي.
يعيشون بيني كالدود في جرحٍ لم يلتئم،
يتحدثون عني كما يتحدث الجلاد عن ضحيته...
بلغة الندم الزائف، وبنبرة الخداع.
•• (ترفع رأسها إلى السماء كأنها تفضحهم.)
وعلى سواحلي جبناء أيضًا،
قادمين من ماضي الجبن ذاته،
يحملون أعلامًا جديدة، وأسماءً براقة،قديمة،
لكن رائحتهم لم تتغير...
هم من باعوني بالأمس، وعادوا اليوم بسفنٍ ممولةٍ من الخارج،
يحملون ذات الخناجر،
لكنهم هذه المرة يلوّحون بها باسم التحالف والشرعية،
كأنّ الخيانة أصبحت مهنةً لها رخصةٌ دولية.
•• (تضحك بسخريةٍ مرة، ثم تستعيد نبرة العظمة.)
أنا تعز... أمّ الجبهات.
أنا التي لا تعرف الراحة، ولا تملّ من الحراسة.
في جبالي يقاتل أبنائي بأمعاء خاوية،
وفي ودياني يرابط جنديٌّ جائعٌ
يحمل بندقيته القديمة كأنها عهده المقدّس.
جيشي محاصر... لكن إيمانه لا يُحاصر.
جنودي بلا مرتبات... لكنّهم يقاتلون وكأنّ في صدورهم خزائن عزيمة لا تنفد.
هم الذين يصنعون التاريخ بصمت،
فيما الجبناء يصنعون بياناتهم بثرثرةٍ من خلف المكاتب الممولة.
••(ترفع يدها وتخاطب الغائبين كأنهم جمهورٌ من خونة.)
يا من تخافون المواجهة...
يا من تحتمون بالمال وبالألقاب.والدول الممولة….
اعلموا أن النصر لا يُشترى،
وأن الدم الذي سال في الجبال أغلى من ذهبكم جميعًا.
أنا لا أُقاس بمقدار ما أملك، بل بمقدار من استشهدوا لأجلي.
•• (تتقدم إلى مقدمة الخشبة، الضوء يشتدّ من حولها كأنها تتوهّج غضبًا.)
أنا تعز...
مدينةٌ تأكل وجعها، وتشرب دموعها،
لكنها لا تركع.
أنا التي ولدت من الرماد ألف مرة،
وسأولد من جديد، حتى لو خذلني القريب قبل الغريب.
•• (تخفض صوتها قليلاً، لكن بنبرةٍ حادةٍ دامعة.)
يا جبنائي في الداخل... ويا جبنائي على السواحل...
اعلموا أن الوطن الذي تطعنونه اليوم
سيكون غدًا شاهدًا عليكم.
كل خنجرٍ في ظهري سيتحول إلى سيفٍ في يد أبنائي.
سأبقى أمّ الجبهات،
وسيبقى المقاتل الجائع جسر عبوري نحو النصر،
وسيبقى الجيش المحاصر جدار كرامتي الأخير.
•• (تفتح ذراعيها كمن يحتضن الوطن كله.)
أنا تعز...
أمّ الجبهات، وأمّ الشهداء، وأمّ الغضب المقدّس.
من دموع أطفالي سأبني وطني،
ومن عظام الشهداء سأصنع رايتي،
ومن خيانتكم سأصوغ نشيد خلودي.
•• (تخفت الإضاءة ببطء، ويبقى ضوء خافت على وجهها وهي تهمس:)
قد تسقطونني لحظة...
لكنني، ما حييت،
لن أسقط مرتين.
(صمت... ثم يُسمع من بعيد صوت المقاتلين يهتفون:
"تحيا الجمهورية اليمنية ... تحيا تعز!")