قرأت بتمعن ما جاء في حوار دولة رئيس الوزراء الدكتور سالم بن بريك الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط. وأكثر ما استوقفني فيه، ويستحق الوقوف عنده مطولًا، تأكيده بأن استقرار سعر صرف العملة يحتاج إلى إصلاحات حقيقية لا إلى شعارات.

هذه العبارة بحد ذاتها كافية لنفتح معها نقاشًا جادًا مع دولة رئيس الوزراء. نحن نتفق معك أن استقرار العملة لا يمكن أن يتم إلا من خلال إصلاحات اقتصادية حقيقية، وأنت بنفسك تؤكد هذا. لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا: لماذا لم تُتخذ تلك الإصلاحات حتى الآن؟

أليس من حق الشعب أن يسمع إجابتك؟

لماذا لم تتخذ قرار رفع سعر التعرفة الجمركية حتى اللحظة؟

لماذا لم تُحِل المؤسسات والمصالح الحكومية التي لا تورد إيراداتها إلى البنك المركزي إلى النيابة العامة؟ ولماذا لم تُصدر قرارات بإقالة مسؤولي تلك الجهات الفاسدة؟

وإذا كانت الإصلاحات تحتاج إلى قرارات شجاعة، فأين كنت وأنت المسؤول عن موارد الدولة منذ 2018 بصفتك وزير مالية؟ ولماذا صمت طوال تلك السنوات على نهب الموارد؟ ولماذا ترفض اليوم استعادتها رغم الغطاء الذي منحك إياه مجلس الرئاسة بالإجماع يوم 6 مايو؟ إن عدم اتخاذ قرارات حاسمة هو الرفض ذاته.

هنا يبرز سؤال آخر لا يقل أهمية: من الذي يمنعك من إحالة 146 جهة حكومية لا تقوم بتوريد مواردها إلى البنك المركزي؟

نريد أن نعرف غريمنا: من ينهب موارد الدولة؟ ومن يحمي الفاسدين؟ إن لم تكن أنت العائق الأول، فأنت ملزم بمصارحة الشعب وتسمية الجهة التي تعيق الإصلاحات. أم أنك، بصمتك وتخاذلك، تتحول إلى الغريم الأول والغطاء الأوسع لكل هذا الفساد؟

إنك تعلم أكثر منا أن عدم توريد الإيرادات إلى البنك المركزي ليس إلا فسادًا ولصوصية ونهبًا ممنهجًا للمال العام. ومادام الأمر كذلك، فمن حق الشعب أن يسمع منك كلمة فاصلة: إما مواجهة المسؤولية بشجاعة، أو إعلان استقالتك.

لفت انتباهي كذلك حديثك عن المنحة أو الوديعة السعودية البالغة مليار ريال سعودي (نحو 366 مليون دولار) واعتبارك أنها ستسهم في استقرار العملة.

دعنا نتحدث بوضوح، لا بلغة الاقتصاد المعقدة، بل بلغة البديهة البسيطة:

هل يكفي هذا المبلغ فعلًا لتعزيز استقرار العملة، وأنت تعلم أن أضعاف هذا المبلغ لا يغطي حتى فاتورة فساد كهرباء عدن الشهرية البالغة نحو 66 مليون دولار؟ هذا المبلغ لا يكفي لتغطية تكلفة الطاقة المشتراة، فضلًا عن أنه لا يغطي النفقات الشهرية للكانتونات المسلحة التابعة لأعضاء مجلس القيادة، وعلى رأسها المجلس الانتقالي. فما بالك بملفات الصحة والتعليم، ورواتب الجيش الوطني، والقطاع المدني، ورواتب حكومتك ومجلس القيادة ذاته؟

دولة رئيس الوزراء، أنت ترأس حكومة في حالة حرب، حرب وجودية لا رفاه فيها للتسويف أو المجاملات. أي خلل في تغطية النفقات المتعلقة بالمجهود الحربي ومواجهة مليشيات الحوثي يعني ببساطة كارثة، بل وخيانة وطنية صريحة.

أنت لست في نزهة، بل تتحمل مسؤولية وطن ودولة وشعب يقفون جميعًا على حافة الانهيار. المسؤولية تفرض عليك أن تتخذ قرارات إصلاحية عاجلة:

استعادة موارد الدولة فورًا.

تقليص النفقات غير الضرورية فورًا.

إلغاء قوائم الإعاشة والامتيازات فورًا.

دفع رواتب الجيش الوطني ومنتسبي القطاع المدني فورًا.

المسؤولية شاقة، والحمل ثقيل، والمخاطر جسيمة. لكن لا خيارات أمامك: إما أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه كرجل دولة واجه التحديات بشجاعة، أو أن تُمحى من الذاكرة كأحد الذين صمتوا أمام الانهيار وتركوا شعبًا كاملًا يضيع بين فساد الداخل ومؤامرات الخارج.

يا دولة رئيس الوزراء، الشعب لا يريد خطابات مكررة ولا شعارات براقة، بل يريد أفعالًا وإصلاحات حقيقية تضع حدًا للانهيار. إن لم تصارح الناس بحقيقة المعرقلين وتواجههم بشجاعة، فأنت جزء من المشكلة ولست جزءًا من الحل. والشعوب تحفظ جيدًا من خانها بالسكوت كما تحفظ من خانها بالفعل. والساعة تقترب، فإما أن تكون رجل دولة، أو أن يذكرك التاريخ كواجهة لعصر الفساد والانهيار.