;
سيف محمد الحاضري
سيف محمد الحاضري

اليمن بين إبادة الحوثي وتمزيق العواصم الاربع !! 354

2025-09-29 01:21:01

في صنعاء يذبح الحوثي اليمنيين ببطء… حرب إبادة بلا إعلان رسمي. منذ 2014 وحتى اللحظة، الشعب اليمني يعيش في سجن مفتوح، تحت قهر الجوع، ووطأة الفقر، وعبث المليشيات. مدن بكاملها تحولت إلى أشباح: لا فرح في بيوت، لا أمان في طرقات، ولا حياة في أسواق. المشهد لا يحتاج إلى كثير تفسير، بل إلى لحظة تأمل لندرك أن ما يجري هو إبادة جماعية متواصلة، فقط بلا كاميرات العالم ولا صراخ منظمات حقوق الإنسان.

لكن الجريمة لم تكتمل بيد الحوثي وحده. الجريمة اكتملت بصمت أولئك الذين يملكون القدرة على وقفها. عواصم الخليج، التي كان يفترض أن تكون مظلة عربية لليمن، تحولت إلى منصات لإدارته كغنيمة حرب. بدلاً من لملمة الشتات اليمني وتوحيد البندقية تحت راية الجيش الوطني، ذهبت الرياض لتغرق في لعبة المحاور، وأبوظبي لتزرع كنتونات مسلحة في كل مدينة وساحل، والدوحة لتغذي مشاريع إعلامية وسياسية تشتت الصف، ومسقط لتفتح قنوات خلفية مع الحوثي تُطيل عمر الانقلاب.

صار لكل عاصمة ميليشياتها. لكل دولة ذراعها المسلح، ولكل مشروع خارجي بندقية ترفع علمًا مغايرًا لوطنية اليمن. فبدلاً من أن يُجمع اليمني على جيشه الوطني ومقاومته الشعبية، قُسمت البلاد إلى كانتونات تتناحر تحت شعارات متناقضة، لكنها في النهاية تصب في هدف واحد: إضعاف الجيش الوطني حتى يفقد قدرته على الحسم، وإفراغ المقاومة من مضمونها حتى تذبل وتنهار.

الرياض التي رفعت شعار "إعادة الأمل"، صارت هي ذاتها جزءًا من معادلة إطالة الحرب، تمسك العصا من الوسط وتترك اليمن يتفتت على مهل. أبوظبي التي زعمت محاربة الحوثي، سلّحت كل ما عدا الجيش الوطني، حتى غدا السلاح أداة تقسيم لا أداة تحرير. الدوحة تحرك أوراقها بوجهين: خطاب إعلامي يغازل المظلومية اليمنية، وسياسات خلف الستار تضمن بقاء الفوضى. ومسقط تلعب دور "الوسيط"، لكنها في الواقع تفتح خطوطًا للحوثي، تمنحه الأكسجين ليتنفس أكثر ويطيل عمر الكارثة.

وهكذا، تحولت الجغرافيا اليمنية إلى لوحة ممزقة: في الشرق كنتونات، في الجنوب مليشيات، في الشمال احتلال إيراني، وفي الوسط مقاومة محاصرة. بدل أن تكون العواصم الأربع سندًا لليمن، صارت أدوات في تمزيقه. بدل أن تجمعه تحت مظلة واحدة، راحت تفرشه خرائط صغيرة تُدار بالمال والسلاح.

اليمنيون لا يواجهون الحوثي وحده، بل يواجهون جوقة كاملة من المشاريع العابثة: مشروع طائفي في صنعاء، ومشاريع مناطقية في عدن، وأطماع إقليمية في الموانئ والسواحل. وبين كل هذه المشاريع، يظل الشعب أعزل، والجيش مكبّل، والجرحى يتظاهرون طلبًا لدواء لا يأتي، فيما تُصرف المليارات على مليشيات الكانتونات.

إلى من يلهون بمصائر اليمن: أهلُ الرياض وأبوظبي والدوحة ومسقط، وإلى من يمدّ العُقال من طهران ومن يزوّر الغطاء السياسي من هنا وهناك — اسمعوا جيدًا: لا يمكنكم أن تظلّوا إلى الأبد خارج دائرة المسؤولية عن الخراب الذي نعانيه. تمويل الكانتونات وتغذية المليشيات بالمال والسلاح، أو اللعب بأوراق الهويات والمناطقية، ليس مجرّد سياسة قصيرة النظر، بل جريمة سياسية تدفع ثمنها الشعوب والصفقات تُكتب على أجساد الأطفال والجرحى والمشردين.

أولئك الذين راهنوا على تمزيق اليمن باسم «الاستقرار المؤقت» سيُحاسَبون سياسياً وأخلاقياً أمام شعوبهم والمجتمع الدولي. الخطيئة ليست في تفاوت المصالح فحسب؛ الخطيئة الكبرى أن تُقدَّم اليمن كحقل تجارب لتصفية حسابات إقليمية وحزبية، بينما تُترك الدولة تنهار ومؤسساتها تُفكك. لا يبرئكم خطاب ولا وساطة إذا ظلّت سياساتكم تُطيل أمد الحرب وتعمّق الجراح.

ما نطالب به اليوم ليس انتقامًا، بل مسؤولية: أوقفوا تمويل الكوارث، أوقفوا تسليح الكانتونات، عودوا إلى سياسة تحترم سيادة اليمن ووحدته ومؤسساته. لستم محرِّرين عندما تدعمون كانتونات مسلحة تُفكك الدولة من الداخل؛ أنتم شركاء في إعادة البناء عندما تُعززون الدولة وتُعيدون مؤسساتها وتمدّون يد المساعدة ضمن إطار سيادي وشفاف.

اليمن يملك من الصبر ما لا يملكه الكثيرون، لكنه لا يملك بعداء التاريخ ولا نسخًا تُعاد عليه من الخراب. ساعة المحاسبة السياسية والأخلاقية قادمة، ولن تُمحى بصمتٍ أو بغطاء إعلامي. إن أردتم أن تكونوا جزءًا من حلٍّ حقيقي، فكونوا شركاء في بناء دولة مؤسسات لا في توزيع كنتونات، وكونوا حلفاءً للناس لا للحروب.

ما يجب على العواصم الأربع أن تدركه اليوم أنها أصبحت شريكة، بصورة أو بأخرى، في إطالة حرب الإبادة التي تقودها إيران ومليشياتها ضد الشعب اليمني. لم يكن اليمن يومًا مصدر تهديد لدول الخليج، ولم يكن جزءًا من جوقة الخلافات البينية بين عواصمها، فلماذا يتحول وطننا إلى ساحة صراع بالوكالة، بينما تنعم بلدانكم بالأمن والاستقرار؟

أي ذنب لطفل يمني يموت جوعًا حتى يكون رهينة لمخاوف سلطنة عُمان من أبوظبي؟ وما علاقة صعدة أن تتحول إلى معسكر للدوحة ضد الرياض؟ وما شأن المهرة لتُعسكرها الرياض فقط لترد على عسكرة صعدة؟ بأي حق يُحمَّل اليمنيون أوزار الصراع الخفي بين محمد بن زايد والرياض؟ ولماذا، كلما تصاعد خلاف بين الرياض وأبوظبي، يُشعل الانقلاب في عدن وكأن اليمن صندوق بريد لتصفية الحسابات؟

نحن وأنتم تجمعنا الجغرافيا، وتربطنا بكم أخوة الإسلام والعروبة، فكيف يليق أن تُدار هذه الأخوة بخناجر تُغرس في ظهر اليمن؟ إذا لم ترغبوا في دعم اليمن ليستعيد عافيته، فلا أقل من أن تكفوا أيديكم عن تمزيقه وإضعافه.

shape3

اليمن ليس ساحة لتجاربكم، ولا ملعبًا لصراعاتكم. من أراد أن يحفظ حق الجوار والأخوة فليضع يده في يد اليمنيين ليبنى وطنهم، لا أن يحوّله إلى مسرح لانقلابات ومليشيات. وإن لم تفعلوا، فالتاريخ سيكتب أنكم، بدل أن تكونوا درعًا لليمن، كنتم خناجرًا في خاصرته.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2025-11-15 02:53:46

جيش المدرسين!

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد