;
توفيق ألحميدي
توفيق ألحميدي

الحوثيون أمام القضاء الأوروبي: سابقة ألمانية ومسار دولي مرتقب 261

2025-05-25 01:36:49

في تطور لافت يعكس تصاعد القلق الأوروبي من التهديدات العابرة للحدود، أعلنت النيابة العامة الاتحادية في ألمانيا عن توقيف شاب يمني في مدينة "داخاو" يُشتبه بانتمائه إلى جماعة الحوثيين، وضلوعه في أنشطة أيديولوجية وعسكرية داخل اليمن. وبحسب بيان السلطات، فإن المتهم التحق بالجماعة عام 2022، وخضع لدورات تدريبية قبل أن يشارك في معارك بمحافظة مأرب أوائل عام 2023. هذه الخطوة لم تأتِ في فراغ، بل تتزامن مع إعادة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، ما يمنح التحرك القضائي الألماني بُعدًا دوليًا يتجاوز السياق المحلي، ويُعيد طرح سؤال العلاقة بين القانون الجنائي المحلي، ومقتضيات الأمن الدولي.

القضية، كما وردت في بيان السلطات الألمانية يستند القانون الجنائي الألماني، الذي يعالج الانضمام إلى منظمة إرهابية داخلية أو أجنبية. ويجيز للسلطات ملاحقة الأفراد المنتمين إلى جماعات مسلحة أجنبية، حتى إن كانت جرائمهم قد ارتُكبت خارج الأراضي الألمانية، طالما أن تلك الجماعات تُصنف كتهديد للأمن العام أو المصالح الدولية أو الألمانية. وتعد هذه المرة من الحالات النادرة التي يُطبق فيها هذا النص على جماعة يمنية، ما يعكس تطورًا مهمًا في طريقة مقاربة ألمانيا للقضايا المرتبطة بالنزاعات الإقليمية.

المتهم، بحسب البيان، يندرج ضمن فئة "الشاب البالغ"، وهي فئة قانونية ألمانية تشمل من تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عامًا. وبموجب هذا التصنيف، يملك القاضي صلاحية تقدير ما إذا كان المتهم سيُحاكم وفقًا لقانون الأحداث، أو قانون العقوبات العام، بناءً على نضجه ومدى إدراكه لخطورة أفعاله وقت ارتكابها. هذا البند يفتح الباب لاحتمالات قانونية مختلفة، لكنه لا يُلغي جدية التهمة، لاسيما مع ازدياد الربط بين الجماعة وأنشطة تُعد إرهابية بموجب القانونين الألماني والدولي.

في موازاة هذا التحرك القضائي، تبرز أهمية القرار الأمريكي الأخير بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو قرار صدر رسميًا عن إدارة ترامب في ولايته الثانية بموجب قانون الهجرة والجنسية الأمريكي – المادة 219 (INA §219)، ما يدرج الجماعة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO). هذا التصنيف لا يقتصر على فرض عقوبات مالية أو إدارية، بل يُجرّم صراحةً كل أشكال الدعم والتنسيق مع الجماعة، ويوسّع من نطاق الملاحقة القانونية بحق أفرادها ومموليها. وقد سبق هذا القرار تصنيف مماثل في يناير 2021، تراجعت عنه إدارة بايدن لأسباب إنسانية. إلا أن التصنيف الجديد جاء في سياق تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، وتضامنهم العلني مع تنظيمات مسلحة، واستخدامهم المتكرر للطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى ضد أهداف دولية، ما أعاد الجماعة إلى واجهة الاهتمام الأمني الدولي، وفسح المجال أمام مقاربات قانونية أكثر صرامة تتجاوز التعامل السياسي إلى المواجهة القضائية.

ورغم أن التصنيف الأمريكي لا يُعد ملزمًا قانونيًا لأوروبا، إلا أنه غالبًا ما يُؤخذ كمؤشر مرجعي عند تقييم خطورة الجماعات. في هذا السياق، يمكن فهم الخطوة الألمانية على أنها استجابة أمنية وقانونية لتهديد حقيقي لم يعد يُمكن تجاهله، خصوصًا مع تحذيرات متكررة من دول عدة بشأن خطر تصاعد الهجمات على السفن الدولية، وتهديد خطوط التجارة العالمية. وقد صنفت هذه الهجمات، في أكثر من تقرير دولي، كأعمال إرهاب بحري، ما يُعزز إمكان محاسبة منفذيها أو داعميهم بموجب اتفاقيات دولية، منها اتفاقية SUA الخاصة بسلامة الملاحة.

جدير بالذكر أن أوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص، كانت سبّاقة في استخدام أدوات القانون الجنائي الدولي في قضايا النزاعات المسلحة خارج حدودها، كما حدث في الملف السوري. ففي السنوات الأخيرة، شهدت المحاكم الألمانية محاكمات غير مسبوقة بحق عناصر وضباط سابقين في أجهزة أمن النظام السوري، استنادًا إلى مبدأ "الولاية القضائية العالمية"، الذي يتيح للدول محاكمة مرتكبي الجرائم الجسيمة – مثل التعذيب وجرائم الحرب – بغض النظر عن مكان وقوعها أو جنسية الضحايا أو الجناة. وقد شكّل هذا التوجه القضائي نموذجًا جادًا في محاسبة من ظنّوا أنهم بمنأى عن العدالة، وفتح نافذة أمل أمام الضحايا الذين حُرموا من الإنصاف في بلدانهم.

هذا المسار يفتح الباب أمام إمكان تكراره في الملف اليمني، خصوصًا إذا توفرت الإرادة السياسية والملفات القانونية المكتملة. فبقدر ما مثّل التحرك القضائي الألماني في الملف السوري نقلة نوعية في دعم العدالة الدولية، فإنه يوفّر سابقة مشجعة يمكن البناء عليها في ملاحقة مرتكبي الانتهاكات في اليمن، سواء من جماعة الحوثيين أو من أي طرف ارتكب جرائم ترقى إلى مستوى القانون الجنائي الدولي. إن محاكمة فرد واحد قد لا تُنهي المأساة، لكنها تفتح الطريق نحو مساءلة أوسع ضمن قواعد القانون الشامل، وتعيد الاعتبار للعدالة بوصفها أداة تقي من الإفلات لا مجرد ردة فعل سياسية.

قد تقود هذه الخطوة إلى سيناريوهات عدة، أهمها تصعيد أوروبي في الملاحقات القضائية إذا ظهرت أدلة على وجود شبكات دعم أو تجنيد للحوثيين داخل أوروبا، وهو ما قد يُمهّد لتصنيف رسمي للجماعة كمنظمة إرهابية على مستوى الاتحاد الأوروبي. كما يُتوقع، في ظل عودة ترامب، أن يتوسع التنسيق الأمني مع الولايات المتحدة، بما يعزز التوجه نحو مقاربة أكثر تشددًا تجاه الجماعات المرتبطة بإيران. وفي الجانب القضائي، نتيجة المحاكات متروك لتقدير المحكمة الألمانية التي تدرس كافة الأوجه سواء المشددة، أو المخففة، وبالتالي لا عبره بالنتيجة فهذا أمر يعود إلى ضمير المحكمة، والادلة والظروف التي رافقت القضية، لكن العبرة سياسياً حيث القضية ستفتح باب واسعاً لملاحقة آخرين، ويوسع نطاق التصنيف الإرهابي للحوثيين، مما سيزيد من عزلتهم الدولية، ويعقد مشاركتهم في مسارات الحل السياسي، مع تصاعد الضغط على الجهات الداعمة لهم إقليميًا ودوليًا.

وفي خضم هذه التطورات، تبرز فرصة أمام الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لبناء موقف قانوني ودبلوماسي متكامل يستند إلى هذه السابقة. إذ يمكنها تقديم مذكرات قانونية للحكومات الأوروبية توثق فيها انتهاكات الحوثيين، وتدفع باتجاه تصنيفهم رسميًا كمنظمة إرهابية في أوروبا. كما أن للمنظمات الحقوقية دوراً محورياً في توثيق الانتهاكات، وجمع الأدلة، وتقديمها للنيابات العامة أو المحاكم في الدول التي تمتلك صلاحية "الولاية القضائية العالمية"، خصوصًا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

في المحصلة، لا يبدو أن هذه القضية مجرد واقعة معزولة، بل قد تكون بداية مسار قانوني جديد يعيد رسم المشهد القضائي والحقوقي في التعامل مع جماعة الحوثي. إنها لحظة اختبار مزدوجة: للقانون الأوروبي في التزامه بمكافحة الإرهاب، وللشرعية اليمنية في قدرتها على تحويل معاناة شعبها إلى ملف قانوني دولي محكم، يُحاكم الجناة لا بالسياسة، بل بالأدلة والمساءلة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد