أيام معدودة تفصلنا عن 22 مايو، ذكرى عزيزة سُطّرت في تاريخ اليمن الحديث بإرادة جمعت شطري وطن طالما تاق إلى الوحدة. يومٌ استشعر فيه اليمنيون نشوة الانتماء إلى كيان واحد، رافعين علمًا واحدًا، متطلعين إلى مستقبل مزدهر تحت سماء موحدة. لكن، وبينما تحتفي الذاكرة بإنجاز الوحدة في الثاني والعشرين من مايو قبل خمسة وثلاثين عامًا، يمر هذا العيد اليوم على يمنٍ مثقل بالجراح، تمزقه الصراعات وتتهدده مشاريع التقسيم، وعلى رأسها مليشيا الحوثي الإرهابية.
لم يعد التهديد اليوم محصورًا في عودة الشطرين إلى ما كانا عليه، بل باتت البلاد تواجه خطر التفتت إلى كيانات متصارعة، تفقد معها هويتها الجامعة ومقدراتها الوطنية. اليمنيون الذين عاصروا نشوة الوحدة يعرفون قيمتها جيدًا، ويتجرعون اليوم مرارة التهديد الذي يحدق بها، لا سيما مع استمرار عبث المليشيا الحوثية التي تسعى لفرض مشروعها الانقلابي بقوة السلاح وتقويض أسس الدولة اليمنية وهويتها الوطنية.
ورغم كل التحديات والانتكاسات، لا يزال في قلب كل يمني أصيل جذوة أمل متقدة، وشوق دفين إلى استعادة تلك اللحظة التاريخية الخالدة. الوحدة ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي حلم يتجدد في نفوس الأجيال المتعاقبة، وإرادة صلبة لمواجهة قوى التمزق والفرقة.
لكن الاحتفاء بالوحدة هذا العام يأتي بنكهة مختلفة، ممزوجة بمرارة الواقع وضرورة استخلاص العبر. فالمشاريع الصغيرة التي تسعى للنيل من وحدة اليمن واستقراره، وعلى رأسها مليشيا الحوثي المدعومة إقليميًا، تدرك جيدًا قيمة هذا اليوم ورمزيته، وتسعى بكل قوتها لتقويض أسسه وتشويه معانيه.
إلا أن إرادة الشعب اليمني العظيم، الذي عرف عبر تاريخه الطويل كيف يتجاوز المحن ويصمد في وجه التحديات، تبقى أقوى من كل المؤامرات. اليمن أغلى من أن يُترك ليعبث به العابثون، ووحدته أسمى من أن تُدنسها أيديولوجيات دخيلة وأجندات خارجية.
إن ذكرى الوحدة يجب أن تكون هذا العام وقودًا يدفع اليمنيين الشرفاء إلى توحيد صفوفهم ورصّ كلمتهم في مواجهة مشروع الحوثي التدميري. يجب أن تكون حافزًا لاستعادة الدولة ومؤسساتها، وفرض الأمن والاستقرار في كل ربوع اليمن، بما في ذلك صنعاء التي تختطفها المليشيا وتحاول فرض رؤيتها القاتمة عليها.
اليمن اليوم بأمس الحاجة إلى أبنائه المخلصين، الذين يؤمنون بوحدته أرضًا وشعبًا ومصيرًا مشتركًا. الوحدة ليست شعارًا يُرفع في المناسبات، بل هي مسؤولية تقع على عاتق كل يمني حر، يدعوه واجبه الوطني إلى العمل بجد وإخلاص من أجل تحقيقها واقعًا ملموسًا.
فلنجعل من ذكرى الوحدة هذا العام، انطلاقة جديدة نحو بناء يمن موحد، آمن، مزدهر، يستعيد مكانته اللائقة بين الأمم. لنستلهم من إرادة الآباء المؤسسين، روح المسؤولية والشجاعة والحكمة في مواجهة التحديات الراهنة، وإعادة كتابة مستقبل اليمن بأيدي أبنائه الأوفياء. الوحدة هي خيارنا الاستراتيجي، وسبيلنا الوحيد نحو استعادة اليمن وعزته وكرامته.