حين يُترجم الأستاذ المبادئ التي يعلّمها لطلابه، ويتحول من حامل للكتاب إلى حامل للسلاح، يصبح في لحظة واحدة قائداً وجندياً وضابطاً، يستجيب لنداء الوطن حين يدعو، بلا تردد ولا حساب.

الأستاذ الذي حمل القلم والكتاب ليغرس في نفوس الأجيال العقيدة والمبادئ وروح الفداء، لم يكتفِ بالتنظير من خلف المكاتب، بل تقدّم الصفوف فكان قدوة حقيقية، يقدّم ماله وروحه في سبيل كرامة هذا الوطن.

وإن الحديث عن دور المعلم وتضحياته في معركة استعادة الدولة لا ينتقص من أبطال الجيش من ضباط وجنود، الذين رابطوا في خنادق الشرف والعزة، وواجهوا الانقلاب الطائفي الحوثي ببطولة وثبات. لكن الإنصاف يقتضي أن نُكرّم كل من شارك في هذه المعركة، وأن نُعيد رسم صورة الوطن بما يليق بكل من قدّم وتقدم.

حين كان الأستاذ إلى جوار قادة الجيش، يشدّون من أزر بعضهم، وتختلط دماؤهم فوق تراب الوطن، كان بعض من خانوا شرفهم العسكري، إما قد انضموا للانقلاب، أو جلسوا في منازلهم يتفرجون، أو غادروا إلى عواصم عربية وأجنبية، يراقبون المعركة عن بعد.

اليوم، حين يُطرح الحديث عن إعادة هيكلة الجيش أو مراجعة قرارات التعيينات والترقيات العسكرية، تظهر أصوات تطالب بمنح الأولوية لخريجي الكليات العسكرية. ولأصحاب هذا الطرح نقول:

نعم، الأولوية لخريجي الكليات العسكرية الذين لبّوا نداء الوطن منذ اللحظة الأولى في 2014 و2015، أولئك الذين تقدموا الصفوف، وقاتلوا بشرف، وأثبتوا جدارتهم وكفاءتهم في ميادين الشرف.

أما من التحقوا بعد سنوات من المعارك، فالوطن يرحب بكل مخلص، ولا ننتقص من وطنيتهم، لكن ميزان الاستحقاق العادل لا يُبنى على الشهادات فقط، بل على ثبات الموقف، والتضحية، واختبار المعركة الحقيقي.

ختاماً، نرفع التحية لذلك الأستاذ المقاتل، الذي لم يرضَ أن يكتفي بالكلام، بل عاش ما علّم، وعلّم ما عاش.

هو القائد حين يفتقد الميدان قائداً، والجندي حين تحتاج الأرض من يحميها، وهو الشاهد الحي على أن التربية والوطنية لا تُفصل عن بعضهما، بل تكتملان في جسد رجل واحد... اسمه: "المعلم المقاتل".