;
د.ياسين سعيد نعمان
د.ياسين سعيد نعمان

القضية الجنوبية  وعلاقتها باستقرار اليمن  في ذكرى الاستقلال 5 674

2022-12-19 21:25:09

الحلقة رقم ٥

٢ - الجنوب الذي جرت الحرب على أرضه ، أفرغت الحرب منه شحنات الوحدة التي عُبِّئت بها القضية الجنوبية منذ بواكير النضال الوطني من أجل الاستقلال ، وجرت محاولات استزراع وحدة القوة والدم ، وبث قيمها التي أفرغت القضية الجنوبية من هذه العبوة لتُملأ بعبوات ناسفة للأحلام التي بشر بها المشروع الوطني وبمعطيات تم استدعاؤها من التاريخ السياسي للجنوب بهدف إثبات "الخطأ" الذي وقع فيه هذا المشروع " القومي" . وكان تحويل الجنوب إلى مجرد ملحق من قبل سلطة حرب ٩٤ ، ونهبه على نطاق واسع وإعادة دمجه في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدولة الجمهورية العربية اليمنية ، محط استدلال مادي من قبل البعض لتخطئة هذا المشروع الوطني الذي أخذ مناصروه يُسَفَُّهون ويتهمون بخيانة الجنوب لدرجة أنْ قام بعض المتطرفين والمهرجين في نفس الوقت بالتشكيك في انتمائهم للجنوب ، من منطلق أن الوحدة إنما هي مشروع شمالي . لم يفرق هؤلاء بين الوحدة كمشروع وطني ناضل من أجله الوطنيون جنوباً وشمالاً ، وبين التجربة التي انتهت إلى حرب أفرزت تلك الكارثة . 

٣ - تعاملت سلطة ما بعد الحرب مع الجنوب كملحق وليس كطرف ، وأبقت الحالة الانقسامية في الوعي الاجتماعي والوطني قائمة ، فالأسلوب الذي اتبعته مع الجنوب اقتصر على إبقائه حاضراً في المشهد من خلال تعيين جنوبيين في بعض المواقع الرسمية كرست حضوره الشكلي ، ولكنه غائب عن الشراكة . وهذه الحالة ظلت تنتج فجوة خطيرة في الوعي إزاء وضع الجنوب في الجمهورية اليمنية . 

٤ - عملت تلك السلطة على الزج بالجنوب في أشلاء الصورة الممزقة للجمهورية اليمنية وذلك بتكريس "إلحاقية" الجنوب في الكيانية العامة لدولة غائبة من خلال التمثيل الشكلي في السلطة وعلى قاعدة سياسية منتقاة ، وذلك على النحو الذي يبقيه ، كما قلنا ، حاضراً في الصورة فقط بدون شراكة حقيقية .

٥ - تم في سياق تمثيل الجنوب ، على هذا النحو الكيفي والشكلي ، تشكيل توليفة من مخلفات الصراعات السياسية السابقة ، وبالتالي لم يكن معبراً سوى عن حاجة سلطة الحرب ؛ وهو التمثيل الذي كانت صنعاء تريده من الحزب الاشتراكي ورفضه ، مما أدى إلى نشوء تلك الأزمة التي لم تنته بالحرب ، بل أخذت تتصاعد في صيغ أكثر تعقيداً ، وكان من مظاهرها استبدال شراكة الجنوب بشراكة نخب سياسية واجتماعية جنوبية ، وهو ما قدم الدليل على أن الأزمة التي سبقت حرب ١٩٩٤ تتلخص في رفض قادة صنعاء على إقامة نظام شراكة حقيقي يكون فيه الجنوب طرفاً مكافئاً في بنية دولة الجمهورية اليمنية .

٦ - إن الشمال نفسه لم يكن شريكاً على النحو الذي يجري فيه الحديث عن شراكة الجنوب المخطوفة ، فشراكته هو أيضاً قد خطفتها نخب سياسية وعسكرية وقبلية متنفذة ، وهو ما عبر عنه الحزب الاشتراكي في إصراره على أن بناء دولة الوحدة هي طريق الشعب اليمني بأكمله للخلاص من الاستبداد والتخلف . لكن نظام الجمهورية العربية اليمنية أصر بواسطة الحرب على الحافظ على كيانيته، ورفض التنازل عن جزء منها لدولة الوحدة ، وبدا كما لو أنه هو دولة الوحدة التي اكتفت بالتوسع في الأرض ، ولذلك فقد حرم الجنوب والشمال معاً من هذا المكسب التاريخي . وبينما عاقبت سلطة ما بعد الحرب الجنوب كله ، فإنها واصلت اضطهادها وملاحقتها لأعضاء ومناضلي الحزب الاشتراكي اليمني المنتمين إلى الشمال . ومنذ ذلك التاريخ تعرض الآلاف من هؤلاء المناضلين للتسريح من الخدمة والمطاردة والتصفية وحرم الآلاف من رواتبهم ومعاشاتهم في أسوأ عقاب يتعرض له الإنسان . لا بد من الاعتراف هنا بأن قيادة الحزب فرطت في المكاسب التي حصل عليها كثير من مناضلي الحزب في الشمال بقيام الوحدة . لقد تم ، وعلى نحو مفاجئ وغير مبرر اتفاق بين الرئيس ونائبه على شطب آلاف الأسماء ممن تم ترتيب أوضاعهم في المؤسسات الحكومية الأمنية والعسكرية وغيرها قبل الوحدة ، وهو الأمر الذي أدى إلى تداعيات ألحقت أضراراً جسيمة بمشروع الوحدة .. كان ذلك أسوأ قرار يتخذ بحق أولئك المناضلين الذين قضوا حياتهم في خنادق الدفاع عن الثورة ومقاومة الاستبداد السياسي والظلم ، بعضهم لا يزال يلاحق وراء راتبه حتى اليوم ، وبعضهم غادر الحياة وفي نفسه غصة من " الوحدة ".

٧ - إن الإجراءات التعسفية التي اتخذت بعد الحرب أدت إلى انتكاسة في الوعي الوحدوي في مجتمع كانت "الوحدة" رأسماله الحقيقي ، فقد تم تسريح ما يقرب من أكثر من مائتين ألف إنسان ، من وظائفهم ، وخصخصة مصانعهم ومؤسساتهم في أسوأ عملية عقاب جماعي ، ناهيك عمن استبيحت مزارعهم وتعاونياتهم وممتلكاتهم ووجدوا أنفسهم مهددين في حياتهم بلا وظائف ولا عمل ولا مستقبل .

٨ - لم تكن السلطة الجديدة سوى عقوبات وتصفيات وتسريح من العمل ، ونهب أراضي وممتلكات ، وفساد ، وخطاب سياسي دوري يذكر الجنوبيين بالهزيمة . تمت تصفية وتفكيك المصانع والمعامل ، والمتاجرة بأراضيها ونهب مكائنها ، وتم خصخصة المؤسسات العامة وتسريح عمالها ، وجسد ذلك السلوك تلك السياسة التي لم تكن ترى الجنوب غير أرض وجغرافيا بلا سكان وبلا تاريخ ، وهي السياسة التي دفعت بالقضية إلى مسارات مختلفة ، وأنعشت وعي الناس بحقيقة أن الوحدة التي حلموا بها قد انقلبت عليهم ، وأقامت حاجزاً بين أحلامهم والواقع الذي رمتهم فيه الحرب ، ثم دفع اليمن كله ثمنها في نهاية المطاف .

٩ - تم تصفية المكاسب الاجتماعية للناس في صورة مساكن وتعاونيات ومزارع دولة وأطلقت أيدي العابثين لتصفية خصومتهم مع هذه المكاسب وغيرها من الحقوق الاجتماعية المكتسبة بموجب القانون كحقوق المرأة بإلغاء قانون الأسرة وما حصلت عليه من مكاسب ، حيث تم قمع الثقافة السياسية والاجتماعية التي كانت قد تشكلت بمضامين قيم الدولة الحديثة ، ومنها المواطنة ، وحق العمل ، واحترام حقوق المرأة . وهنا تجسد موضوع الإلحاق ، الذي كان الهاجس الأكبر لمتنفذي صنعاء وهم يقاومون بناء دولة الوحدة ، في أكثر تجلياته وضوحاً .

١٠ - أدت هذه السياسة إلى تعقيد الوضع في الجنوب لدرجة لم يعد معها ممكناً تسويق ذلك المفهوم القسري والمشوش للوحدة ، وأخذت القضية الجنوبية تتبلور في وعي المجتمع بمفاهيم سياسية مشتقة من وثيقة العهد والاتفاق التي كانت قد ركزت على "إصلاح مسار الوحدة" ، وهي الوثيقة التي تنصلت منها سلطة ما بعد الحرب ، وأطلقت عليها وثيقة الخيانة . 

لم يكن إعادة رفع شعار " إصلاح مسار الوحدة " بعد الوحدة سوى محاولة للتمسك بوثيقة العهد والإنفاق، والعمل بمضامينها التي هدفت إلى معالجة الأزمة وتجنب الحرب ، لكن ، أمَا وقد شبت الحرب وانتصر فيها الرافضون لإصلاح مسار الوحدة ، كما ورد في الوثيقة ، فكيف سيستجيبون الآن وقد "عمدوا الوحدة بالدم" ، على حد قولهم ، بعد أن رفضوها بإعلان الحرب .

١١ - لقد ظلت هذه السلطة ترفض كل المبادرات التي أطلقت من قبل الحزب الاشتراكي وبعض القوى السياسية الأخرى لتصفية آثار الحرب ، والتوقف عن الإلحاق القسري للجنوب بأدوات الحرب والقوة ، وتصفية شخصية الجنوب التاريخية التي تم التحذير من أنه فيما لو تم الإصرار على الاستمرار فيها فإنها ستشكل انتكاسة لن تتوقف بالبلاد عند حدود الأزمة القديمة التي انتهت بالحرب ، ولكنها ستمتد إلى ما هو أبعد من ذلك .. وهذا ما يحدث اليوم .

١٢ - أدى هذا الوضع إلى تململ اجتماعي في الجنوب ، لم تتوفر له في المرحلة الأولى شروط التحول إلى الفعل السياسي . كانت حقوق الناس المنهوبة ، مع ما رافق ذلك من فساد وعبث ، تحاول أن تعبر عن نفسها داخل مساحات التململ الاجتماعي الذي راح ينضج ويطرح أسئلة تتعلق بمستقبلهم في ظل هذه " الوحدة" التي أخذت سلطتها تقصيهم وتهمشهم يوماً عن يوم ، وتكتفي بتمثيل رمزي كيفي من الجنوبيين يكون أكثر بروزاً في الصورة التلفزيونية منه في الواقع ..يتبع .

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد