اعتماد سياسة توقّي أو اتقاء الصراع مع الإمارات خيار اضطراري فرضته ظروف الحرب ومعادلات القوى الحليفة وحالة الانكشاف التى أفضت اليها القوى اليمنية وعلى رأسها الإصلاح جراء ضعف الشرعية وهشاشة وضعها وتواطؤ الأطراف المختلفة داخلياً وخارجياً وشبكة التحالفات المنسوجة على حساب القضية اليمنية والإصلاح خصوصا. راهن الإصلاح، منذ البدء، على صدقه وقوة موقفه وحضوره في صدارة المشهد المقاوم كما راهن على عدم وجود ما يسوغ هذا العداء الذي بادرته به قيادة الإمارات واعتقد أنه مجرد تشوش في الموقف ونتاج دفع أطرافاً ناقمة ومغتاضة تريد الوقيعة والصدام بينه وبينهم.. كما راهن الإصلاح على واحدية المعركة وما تفرضه من تماس وارتباط واستحالة وصول الأمور إلى مواجهة بينية تهدد جهود التحالف وتقوض مصداقية الجميع وتبدي الإمارات في موقع العدو والمحتل البديل. كما راهن الإصلاح على الشقيقة الكبرى واستحالة سماحها بتصاعد التوتر والخلافات حد إحراجها وإضعاف دورها والتأثير الخطر على مجريات الحرب ونسف يقين اليمنيين بمصداقيتها وتجردها وكذا هز موقف الرأي العام الخارجي عموما بجدوى هذه الحرب بالنسبة لليمن واليمنيين.. ما حدث على صعيد الجنوب مثل هزيمة كبرى مبكره للشرعية والمقاومة بما في ذلك الإصلاح والذي وجد نفسه في حالة ارتباك مدفوعا خارج المعادلة الجنوبية وهدفا لحرب اجتثاثية قذرة رغم تضحياته الكبيرة ورغم حضوره القوي المتصدر على مستوى المقاومة.. وهو ما كان يتطلب إعادة النظر في سياسة توقيه الصراع مع الإمارات والبدء في اتخاذ تدابير مختلفة تضمن عدم الإذعان لسيناريو الاستضعاف والملاحقة والإزاحة وكل ما حدث ويحدث مذذاك في الجنوب.. لم يكن الأمر مجرد نزق وحمق وعداء مجاني يسهل تبديده باستمرار التجنب وإثبات حسن النية وصفاء الطوية والصبر على الإساءات والفظاظة والحملات الإعلامية الرعناء. ندرك صعوبة الوضع وضيق الخيارات وندرك أن سياسة اتقاء الخصومة والعداوة قد تكون ناجعة في حالات معينة تعرف فيها طبيعة الخصم وأخلاقياته ومطامحه ومبررات عداوته لك.. الأمر مرهون بمدى قدرتك على الكسب عبر التجنب والتوقي أكثر من الصدام والمواجهة.. لقد اتبع الإصلاح- منذ البدء- سياسة عدم المجاهرة بالعداء، رغم سفور وفجور المواجهة ضده بدا واضحاً أن قيادة الإمارات تخوض حروبا هي بطر أغنياء لا أكثر. تصبح وقد اختاروك عدوا بالغصب تفشل كل محاولاتك إقناعهم انك لا تصلح عدوا لهم وان لا مصلحة في معاداتك وانك لم تعادهم يوما ولم تفكر بذلك وانك لا تكن لهم غير الخير ولا تضمر لهم ما يسوءهم وستستفيض في تعداد ما يجمعك بهم من روابط ومشتركات وستستدعي كل محامدهم ومناقب آبائهم الكبار وأياديهم البيضاء وكل التواريخ والمواريث الجامعة لكنك لن تفلح في الأخير في إقناع القوم فقد اتخذوا قرارهم وأجمعوا أمرهم باتخاذك عدوا صالحا للتنكيل وسيشرعون في شن الغارات ضدك ومحاصرتك والتأليب عليك واستخدام كل الأدوات وتسخير كل الإمكانات للنيل منك هكذا بطرا لا غير.. ظلت قيادة الإصلاح تعتقد إمكانيتها مجابهة هذا الصراع الفج والأرعن بوسائل مختلفة ليس من ضمنها السجال والحرب الكلامية وتبني مواقف ضدية ضاجة وصاخبة تشوش على القضية الوطنية وتحرف مسار الحرب باتجاهات بعيدة وتحدث الكثير من الجلبة الضارة غير المبررة ومازالت كوادر الإصلاح ونخبها منذ بواكير الأزمة.. تطرح أهمية الاشتغال على هذا الملف وإعطائه أولوية، نظرا لتأثيره الواضح على القضية الوطنيةً وباعتبار الإصلاح من أصحاب الأرض والحق ومستقبل بلاده مرهون بتعامله مع هذه القضية على نحو حاسم يحدد مصيره ووجود اليمن كلها حاضرا ومستقبلاً. لم يكن في حسبان الإصلاح أن تفتح الإمارات النار عليه وان تدفع بأدواتها في الداخل والخارج ضده كما لو انه عدوها الأول والأخير. وقد ظل الإصلاح واعيا أن استجابته لهذا التعدي والتحدي من شأنه أن يضر بالمعركة ويؤثر على مجريات الصراع وأنه إذا اتخذ طابعاً صدامياً لن يكون في صالح أي طرف بالطبع.. إن سياسة الاتقاء والتملص والانفلات من المواجهة والمداورة والالتفاف والمناورات الهادئة المحسوبة مالم تعمل على ضرب مخططات الخصم وشل قدراته ومالم تكن انتصاراً على شروره وكشفاً لمكائده ومصائده وتفكيكاً لتحالفاته وشبكاته وعملاً دائباً يقظاً ضد مؤامراته، وإسقاطاً لرهاناته، وكبحا لجموحه وصلفه وغطرسته، مالم تعني سياسة التوقي فعلا مقاوما للاستضعاف والاستخفاف وتأبيا على الوقوع في الأشراك والفخاخ المنصوبة مالم تكن كذلك فهي انهزام واستسلام وخض مهين لا يمكن أن يفضي لغير التلاشي والفناء وخسران كل شيء. من المهم اتخاذ استراتيجيات مواجهة مدروسة تقاوم نزعات الاستقواء وتوجهات الاستئصالي لماذا نبدو في موقع المستذل القابل لكل أشكال الهوان ؟ ما الذي كسبناه من توقي الصراع المفروض علينا منذ البدايات؟ هل كسبنا شيئاً غير الخسران والإنكار والتهميش والإبعاد والملاحقة وانتظار القتلة وفقدان القيمة وضياع الوطن؟ لنتحدث بلغة قوية صادقة تقول ما يجب وتتوجه إلى حيث نريد لا إلى حيث يراد.. هذه المآلات مسار من وهن التعويل على حليف يمنحك السلاح ويسلبك إرادة الدفاع عن نفسك في مواجهته يجبرك على أن تهزم قضيتك وتتخلى عن مكاسبك وتغادر أرضك. هذا مسار من التنازلات القاتلة عن الخيار والقرار، مسار من الصمت والتفريط وتقبل دور الضعيف التابع المتقاد مسار من الخنوع والخضوع والخوف والذعر والتواطؤ على خيانة الوجود. نريد مواقف بقدر اليمن لا تمليها الأحداث الطارئة بل تمليها ضرورات الصراع وموجبات البقاء.. المظالم لا تتجنب الضعاف "مخنثي العزم" مسلوبي الحمية والإرادة والإباء. "متى تملك القلب الذكي وصارماً؟ وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم".. قالها عمرو بن براقة الهمداني في ميميته الخالدة العصية على النسيان .
جمال أنعم
سار من التفريط 1027