صناعة الثقافة الإيجابية

2015-03-01 08:16:44 مروان المخلافي


في حديثنا عن الثقافة الإيجابية وطرق صناعتها، وغاية الوصول إلى سبلها دعني أخي القارئ أقف وإياك كمدخل للموضوع مع بعض القوانين التي تدعو للغرابة والدهشة، لكنها ومع ذلك قننت وسادت بين الناس، وأصبحت ضمن العجين اليومي لحياتهم .

خذ على سبيل المثال، في الهند ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻔﺄﺭ إﻻ ﺑﻌﺪ ﻃﻠﺐ ﺍلأﺫﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ الأسطورة قديمة تعظم من شأن الفئران في ثقافتهم، وﻣﻤﻨﻮﻉ عليك في ﻛﻮﺭﻳﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻨﺖ إﻻ ﺑﻌﺪ أﺧﺬ ﺍلإﺫﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﺍﺕ للخطورة التي يمثلها استخدام الشبكة العنكبوتية دون رقابة من أحد، وفي الكاميرون ﻣﻤﻨﻮﻉ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﺘﻠﻔﺎﺯ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ 12 ﺻﺒﺎﺣﺎً لأنه وقت للتعلم والعمل، ومن القوانين الغريبة في مونتانا أنه يمنع على ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ فتحها ﻟﺠﻮﺍﻝ ﺯﻭﺟﻬﺎ، بل وتعد ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺗﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ لتعديها على خصوصيات زوجها الذي يجيز له القانون أن يكون الركن الأساس في البيت، أما في مطاعم الدنمارك فلا ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻚ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻔﺎﺗﻮﺭﺓ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺸﺒﻊ، ﻓﺈﻥ ﺍﻧﺘﻬﻴﺖ ﻣﻦ ﻭﺟﺒﺘﻚ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺷﺒﻌﺎﻧًﺎ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺪﻓﻊ، وﻳﻤﻨﻊ في ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ ﺷﺮﺏ أيا ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺍﺋﻞ أثناء ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ الماء للخطورة التي يمثلها انشغال السائق بغير التركيز بالطريق حدا من الحوادث، ويعاقب القانون على ذلك، وتجد نفسك مجبرا بقوة القانون في ألمانيا على دفع ﻧﺼﻒ ﺳﻌﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ إذا ﻛﺎﻥ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ألماني وأنت ﻟﺪﻳﻚ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺍلأﻟﻤﺎﻧﻴﺔ، " ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﺪﻓﻊ ﺍﻟﻨﺼﻒ ﺍﻵﺧﺮ، وﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺯﻭﺟﺘﻚ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﺳﻤﻚ إن كنت من سكان هولندا ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍلاﻋﺘﺮﺍﺽ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ لإيمانها بحق مشاعر المرأة، وللقانون كلمته في ذلك، أما اليابانيون فقد ذهبوا أبعد من ذلك عندما سنوا قانونا يجرم ﺯﻳﺎﺩﺓ الوزن ويعد ذلك ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، وفي جنوب أفريقيا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﺍﻟﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺑﺄﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﻜﺎﻥ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﻲ أﻱ ﻭﻗﺖ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻮﺿﻊ "ﺟﻬﺎﺯ ﻟﻠﺘﺘﺒﻊ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻪ حتى تحافظ على بيتها من خيانات الأزواج، في الصين رغم ملايين السكان إلا أن القانون يمنع إنجاب أكثر من ولدين عند كل زوج حفاظا على مستوى مقبول من التضخم السكاني .

وما سقناه من أمثلة اتفقنا معها أم اختلفنا تبقى موحية بأن ثقافة جرى صناعتها في أوساط هذه الدول حتى وصلت مجتمعاتهم إلى مرحلة القبول والرضا دون الاعتراض على أي من هذه القوانين التي أصبحت مع مرور الوقت بالأمور العادية التي أصبحت ضمن حياتهم اليومية .

 العجيب أن غالبية هذه المجتمعات لم تكن كلها دول غير إسلامية، وليس للإسلام فيها كثيرا من الحظوظ التي تنعم بها بعض الدول الإسلامية والعربية التي تشربت ثقافة الإسلام التي تدعو لنهضة مجتمعاتها، لكن الحاصل غير ما ينبغي أن يكون، والأشد إيلاما أن بعض هذه المجتمعات ما زالت تراوح في مكانها تتخبط في دياجير التخلف، وتصارع طواحين الهواء الخاوي .

وتصنع ثقافة الايجابية في المجتمعات كما تقرر شواهد الأيام لاعتماد الكثير من الدول المتقدمة, مبدأ العقوبات الصارمة والمشددة فيما يخص تلك المخالفات المجتمعية ، والسلوكيات السلبية

كان الأولى والأحرى بنا نحن المسلمين أن نؤسس لمجتمعاتنا مداميك الثقافة الايجابية التي تحتاجها الشعوب لنهضة مجتمعاتها لكننا وللأسف الشديد نعيش كثيرا من المشاهد التي مازالت عالقة في أذهان من يرون فينا الفوضى والعشوائية لمشاهداتهم التي ارتسمت في عقولهم عنا وعن المستوى المتدني لثقافة الإيجاب في حياتنا مقارنة بمجتمعاتهم المتقدمة والتي تخطت كثيرا من مشاكلها بفضل صناعتها للثقافة الإيجابية التي ينعمون بها وبما تعوده بالنفع والصالح العام على مجتمعاتهم المتحضرة .

إن من المفاهيم التي تغيب عنا وعن حاضر أذهاننا وعقولنا أننا لا نعبد الله بأمر تكليف .. ولكننا نعبده سبحانه لأننا عرفنا جلاله وجماله.. ونحن لا نجد في عبادته ذلاً بل تحرراً و كرامة.. تحررا من كل عبوديات الدنيا.. تحررا من كل الشهوات و الغرائز والأطماع والمال.. و نحن نخاف الله فلا نعود نخاف أحداً بعده و لا نعود نعبأ بأحد.. خوف الله شجاعة و عبادته حرية والذل له كرامه ومعرفته يقين، مفاهيم كم نحن بحاجة إليها كي نعود لسابق عهدنا وعهد أمتنا التي دانت لها الدنيا للحضارة والرقي الذي كانت تمثله ثقافة المسلمين في العصور الزاهرة .

أعرف مسبقا أن الحديث عن الثقافة الايجابية في بلادنا حديث مؤلم، والدق على وتره الحساس نغم نشاز وموجع للكثير منا ممن يتحرق على حال الوطن الذي وصل إليه، وما آلت إليه أوضاعنا، ولا أريد لذلك أن يكون عامل إحباط، على العكش من ذلك، كم يتمنى الواحد منا على الرغم مما أصابنا - أن نبدأ مجتمعيا في صناعة ثقافة ايجابية تكون مفعمة بتلك السلوكيات السوية والكفيلة بأن تأخذ مجتمعنا نحو آفاق رحبة من النهضة والتطور والتقدم ونحن قادرون ، فقط ما علينا الا أن نستشعر بأن كل لحظة في الحياة كنزٌ لا يتكرر.. إذا كانت اللحظات الماضية من حياتنا قد ولت دون أن نغتنم هذا الكنز كنز الحياة الايجابية، فهيا نكن من أغنى البشر بتلك اللحظات التي لاح ضياؤها، ولا نطالبها بأن تكون أجمل، لنكن نحن أجملها، وما أجمل قول الشاعر

وإذا ما وجدت في الأرض ظلاً *   فتفيأ به إلى أن يحولا

وتوقع إذا السماءُ اكفهرت*  مطراً في السهولِ يُحيي السهولا

إشراقة تفاؤلية

ستنمو الأزهار في

خدها

ويعشوشب الغصن في

قدها

وفي صبر تحتفي

الأمنيات 

فتنساب

راحا على وهدها

ومن نقم سيغني

الصباح

ويسري شعاعا إلى

ميـــدها

وأيوب

يتلو حداء المساء

ليمحو الجراحات

من نجدها

بلادي سيختال

نعــناعها ....

وتحدو القلائص

في بيدها

حداها : (بلادي

بلادي اليــمن

أحييك يا موطني مدى الزمن )

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد