فبأي جريمة ينالون هذا العقاب؟!.. أطفال تخنقك العبرات من منظرهم النحيل المدثر بسوء التغذية..

"جعولة" ريف عدن.. الأشد حرماناً وبؤساً من الأرياف الأخرى

2014-11-28 11:38:34 تقرير/ محمد المسيحي

تقع منطقة جعولة بالاتجاه الغربي المحاذي لمنطقة البساتين وهي منطقة تكثر فيها المزارع والزراعة ويقطن فيها مجموعة من السكان غالبيتهم من أبناء مديرية المضاربة والعارة بلحج والذين هجروا بلادهم من البؤس والحرمان فيها وأتوا إلى جعولة للعمل في المجال الزراعي وقاموا بنقل أسرهم معهم في بيوت من الأكواخ والعشش تنعدم فيها جميع الخدمات الضرورية كالكهرباء والمياه إضافة إلى انعدام التعليم لكل الأطفال الموجودون في هذه المنطقة والسبب خلوها من المدارس الحكومية ،وليس بغريب أن توجد مناطق مشابهة لجعولة في بقية البلاد لكن الغريب إنها تتبع عدن العاصمة والحاضر والثغر الباسم للبلد بشكل عام وجميع مديرياتها ومناطقها المختلفة تتوفر فيها الخدمات الأساسية والضرورية كمدن.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل قامت قيادة مديرية دار سعد بزيارة منطقة جعولة والرفع بها ضمن الدراسات التي يتم إعدادها من قبل السلطات المحلية لإحداث التنمية فيها، أم أن الأمر هو تنفير للسكان القاطنين فيها لتبقى المنطقة أراضي زراعية وسكنية والعمل على تخطيطها من اجل توزيعها على التجار والمستثمرين وأرباب الأموال، فإليكم التقرير التالي:

اشمئزاز

أثناء الانطلاق صوب منطقة جعولة كنت أظن بان المواصلات موجودة على مدى الخط ولكن ما عاكس زيارتي التي قررت حينها أن نلتمس فيها هموم مواطني المنطقة خاب ظني بما لحق بي من تعب في الطريق فإذا بتكدس القمامة والنفايات وانبعاث الروائح الكريهة على طول الخط الذي يوصل إلى جعولة منتشرة وبشكل كبير وتأتي هذه التصرفات في ظل انعدام الرقابة ومتابعة مقالب القمامة التي وضعت على الخط ،فالعزيمة لم تمنعني من الوصول إلى جعولة وفقرائها الذين غلب عليهم الفقر، انتظرت في إحدى الجولات حتى أتتم زيارتي لكن لم يحالفني الحظ بالركوب في السيارات فكل شيء على الماشي وبمزاجية سائقي السيارات حتى أن المنطقة لا توجد لها فرزة باسمها حتى توصل إليها بأسرع وقت ،فالزائر إليها قد تتعثر زيارته بما يلاحظ من تكدس متتالي على طول الخط أو انعدام المواصلات وكل من أراد الوصول إليها أم أن تكون رحلته مشيا على الأقدام أو اخذ سيارة تكس ،أنجيز، وكان منطقتا البساتين وجعولة يعيشان في زمان انعدمت فيه روح الإنسانية في هؤلاء القيادة التي فضّلت الاعتكاف في المنازل دون أن ترفع للجهة العليا احتياجات المنطقة وما لحق بساكنيها من تدهور وتردي لكل الخدمات.

أنهكتهم الحياة

في المنطقة وجدنا أسراً كثيرة قد أنهكتهما عوامل التعرية والحياة القاسية حيث لامسكن يقي من برد الشتاء ولا من حر الصيف يعيشون في عشش متهالكة ، ترحمنا لهذا المنظر لكن لا في أيدنا شيء نقدمه لهم سوى رفع معاناتهم للخيرين وأصحاب الأيادي البيضاء وسلطات عدن وهذا عار على العاصمة الاقتصادية عدن وعلى مديرية دار سعد لما يعيشه هؤلاء المساكين في ظل انعدام مقومات الحياة لديهم، منهم يمسي في جوع وآخرون يمسون ويصبحون وهم على هذا المنوال.

حتى خدمة الكهرباء انعدمت لدى الكثير منهم وعاشوا الظلام بتفاصيله في ظل قربهم من تلك الاشجار المكثفة حيث تعيش فيها العقارب والثعابين ولا تخلو ليلة من مشاهدتهم لتلك الزاحف التي قد تعود هؤلاء الناس من مشاهدتها وتعايشوا معها بنفس الظروف والتعايش السلمي فيما بينهم.

اثنا تجولي في المنطقة التقيت بأحد المواطنين هناك كان وسيع الصدر رغم الظروف التي يلاقيها هو وأفراد أسرته ألا أن الكرم مازال متواجد حينها واصلنا السير حتى وصلنا إلى المنزل الخاص به عندما سألناه عن أسمة وهل أنت متزوج فأجاب اسمي سمير احمد علي مقبل احد أبناء منطقة المجباء التابعة لمديرية المضاربة ورأس العارة بلحج، متزوج ولديّ ولدين وبنت أسمائها زكريا واحمد وصفاء ،لقد تركت البلاد لعدم وجود أي عمل حتى نتمكن انأ وأسرتي من مواصلة حياتنا لكن كل ما هو موجود هنا رغم إننا نواجه مشقة في العمل والعيش في أكواخ هشة إلا إننا راضون بهذا الوضع الذي كتب علينا.

وأضاف سمير كل ما أجبرنا هي الظروف الصعبة التي أجبرتنا على العيش هنا، وعزز حديثه بان أكثر الأطفال في منطقة جعولة يعيشون حياة صعبة حتى ابسط حقوقهم انتزعت عليهم لا تعليم ولا حياة كريمة يعيشونها كله عمل في عمل.

أما أخاه عبد الله احمد علي الذي ظل يبحث هنا وهناك حتى تمكن من الالتحاق في السلك العسكري فمعاشه الذي يستلمه كما أكد انه لا يكفي فهناك لكل متطلبات البيت فعندما يأخذ له إجازة من المعسكر ينطلق للعمل في احدي المزارع حتى يحصل على مصاريف يومية له وللبيت ،فهما يتقاسمان قوت يومهم حتى يتغلبوا على الفقر المدقع الذي لحق بهم.

مضيفا بان أعانة الضمان الاجتماعي لم تصل إليهم امتددت لكل الوجهاء والمشايخ والشخصيات الاجتماعية وتوزعت عليهم إما بالمحسوبية أو بالمحاباة ونحن هنا لا احد ينظر ألينا وكأننا ليس من أبناء اليمن  رغم وجود ممثلين وأعضاء للمجالس المحلية ومدراء كلهم يعمل لصالحة تاركين هؤلاء الأسر في دهاليز الإهمال.

موضحا بان مرتبة لا يكاد يفي بمتطلبات البيت الأساسية، موجهاً خطابه إلى السلطات المحلية بعدن ومديرية دار سعد ألا تخجلوا من هذه التصرفات التي عودتهم أنفسكم بها، أم حياتكم اختلطت بالمادة وغيرت من قيمكم التي عرفتم بها منذ أيام ،لكن للأسف كل القائمون بسلطة عدن لم يعد لهم الاهتمام  بهذه الشريحة الفقيرة وتوفير لهم الخدمات  ولو بالشيء البسيط ومساواتهم بالمناطق الأخرى .

بؤس وحرمان

والبؤس والحرمان منتشر في غالبية الأرياف اليمنية لكن الأطفال في كل الأرياف يرتادون المدارس وجعولة بدون مدرسة والفقراء والمعوزين في بقية الأرياف شملتهم شبكة الضمان الاجتماعي الإعانات لكن فقراء جعولة دون إعانات، فبأي ذنب قتلت ،وبأي جريمة ينالون هذا العقاب؟ لم يأتِ هؤلاء السكان من المريخ ولا من إسرائيل ليحتلوا هذه الأرض فلقد أتوا من مناطق يمنية تعاني البؤس والحرمان وشظف العيش وهربوا إلى هنا ليعملوا ويكدوا كالعبيد والاقنان لتوفير لقمة العيش الضرورية لهم ولأطفالهم الذين تخنقك العبرات من منظرهم النحيل المدثر بسوء التغذية وتلك الأسمال الرثة التي يرتدونها.

فهناك جمعيات خيرية ومنظمات دولية ورجال مال وخير يصل خيرهم إلى أرياف اليمن كلها وينطلق ذلك الخير من عدن, فمن الأجدر أن يطبق شعار "جارك القريب ولا أخوك البعيد" هل هؤلاء السكان محرّمٌ عليهم تحسين سبل المعيشة الذي تقوم به المنظمات الدولية في بقية أرياف المحافظات الأخرى ، وماذا عن الجمعيات الخيرية في عدن وعن رجال الخير نحو جعولة وسكانها؟.

لكن السؤال الذي يضعه الساكنون في منطقة جعولة : هل عادت الشعارات التي أطلقت أيام الاستعمار البريطاني بان عدن للعدنيين وان الداخلين إليها من مناطق الأرياف يجب أن يغسلوا بالديتول والصابون وتجرى لهم الفحوصات الطبية حتى لا يعملوا على تلويث القاطنين في عدن؟ أم أن الأمر أن هؤلاء السكان هم فئة من فئات الشعب سكنت هذه المنطقة وأصبح على السلطات المحلية في المديرية والمحافظة  العمل على إيصال الخدمات الضرورية إليهم باعتبارهم قاطنين في حدود المحافظة ومن سكانها.

أطفال جعولة

الكثير ممن يملكون المال لا تجدهم يفكرون بمستقبل هؤلاء الأطفال الأبرياء يصرفون يوميا بالمئات في ورقة القات المخدرة وحبة سيجارة ممرضة، لن يقدموا ولو حتى ملبس لطفل حتى يشعر بان هناك مجتمع مهتم بهم ،فأطفال جعولة حرموا التعليم ولحقت بهم الأمراض والمصائب فهم لا ينامون على أسرة حديثة ولا لديهم ملابس الموضة فملابسهم رثه وممزقة وينامون على آسرة رثه وتحت لهيب الشمس وبرد الشتاء.

فهم يرددون وبصوت بريء: لا نريد عمائر ولا فلل فارهة نريد عيش كريم وملبس نظيف يقينا من حرارة الشمس وبرد الشتاء القارس، فهذه حياة الأطفال، فكيف بالمسنين فحياتهم أكثر تدهوراً وقساوة، اخبرني احد المواطنين بان حياة هؤلاء الناس تمر كل يوم باسوا حال ،فهنا حقيقة لقد تكالبت على الظروف على أهالي المنطقة من كل صوب وأصبحوا ينتقلون من بلادهم إلى هنا هائمين عن بلدهم وباحثين وراء لقمة العيش ويكدحون تحت لهيب الشمس ولفحات الجو البارد، وحين أن تأتي ساعة النوم لدى العاملين سواء الكبار أو الصغار تجد الآلام تشتد لديهم.

اسر تتعرض للوفاة

ما لوحظ من أحاديث مواطني المنطقة بان أكثر الأسر تتعرض للوفاة لبعد المشافي عنها وكون أهاليها أكثرهم من الأسر الفقيرة وغير قادرون من إسعاف مرضاهم واخذ لهم سيارات خاصة للإسعاف، فهم يعيشون حياة قاسية انعدمت فيها كل وسائل الرحمة لا من قريب ولا من بعيد ولهذا السبب فضلوا الركود هنا لتكملة حياتهم حيث أنهم يعملون ليلا ونهارا لأجل أن تعيش أسرهم في كرامة ،ومع تزايد الوافدين للمنطقة أصبح الكثير منهم يشكون احتكار ممن يعملون معهم بتصرفاتهم التي يقومون بها وخصوصا بعدم إعطائهم مرتبات كافية حتى يستطيع من جلب احتياجات المنزل فالكثير منهم يتحدث عن الديون فهم مديونون لأصحاب البقالات وغيرهم ممن أصبح بلا أي مكسب لعدم وجود عمل أخر أو معاش يساعده لبناء حياته المستقبلية كما يعتقدون فلا مجمع صحي قريب منهم ولا مدارس حكومية لتعليم أبنائهم وهكذا حياتهم .

انتظار الأمل

في جعولة كل شيء يثير لعجب والاستغراب ،أطفال يبحثون عن تعليم وآباء عن عمل وحياتهم تنتظر الأمل فنظرات البؤس التي مازالت تلاحقهم جعلت من حياتهم حياة مسلوبة، أكثرهم بلا إعانة من الضمان الاجتماعي وهم من أبناء اليمن وليس بغرباء عنا ،لكن ممن انتخبوهم يوما ووضعوا الثقة فيهم خذلوهم وتناسوا همومهم وجعلوهم في مزبلة النسيان، فالأمل لديهم مازال يبحث عن حياة كريمة أملين من الحكومة الجديدة أن تضع أعينها لديهم وتعطي التوجيهات بمتابعة مثل هذه الأسر الفقيرة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد