طفولة تحتضنها شوارع التشرد وأرصفة الفقر!!

2014-08-21 13:13:10 تقرير خاص- عدن / فهمان الطيار

قصص مؤلمة تحمل بين طياتها تاريخ طويل من المعاناة .. أطفال لم يعد هناك ما يربطهم بعالم الطفولة سوى أحجامهم الصغيرة .. داهمتهم الشيخوخة مبكراً قبل أن يبلغوا النصاب القانوني لذلك .. أصبحت الرياح قادرة على نقلهم من مكان إلى آخر لشدة النحول الذي لحق بهم .. ظروف قاسية جعلتهم يستسلمون لليأس ..

طفولة أفْضَى بها العوز والحاجة إلى الضياع .. الشوارعٌ أصبحت ممتلئة بهم .. لا يجدون ما يأكلونه سوى بقايا من فتات المطاعم وقمامات المترفين .. الأرصفة هي سريرهم .. وعين الله هي لحافهم .. أسباب كثيرة تقف وراء خروجهم للتسول ..

البعض منها قد يكون معلوماً كــ: الفقر ، اليُتم ، النزاعات المسلحة ، والوضع المزري الذي تعيشه بلادنا نتيجة الأزمة الطاحنة التي تعصف بها منذ سنوات ".. فيما يظل البعض الآخر مبهماً حتى إشعار آخر .. لتتولد في الذهن علامة استفهام: ما هو مصير هؤلاء الأطفال الهاربون من واقعهم المؤلم إلى واقع أشد ألماً يمحي كل معالم طفولتهم و حقوقهم؟!..

 

مشردون في الشوارع 

آلاف من الأطفال اصبحوا مشردين في الشوارع والمدن وأصبحت الطفولة في اليمن تعيش واقعاً مأساوياً ومؤلماً ينذر بكارثة كبيرة يجب التصدي لها وبسرعة عسى أن يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه..

فعندما ترى أطفالاً وسط تلك الشمس المحرقة ووسط زحام السيارة أحدهم يتكلل بالمواطنين ويتوسل لهم يطلب المساعدة وآخر يحمل علب الماء للبيع وهكذا.. إلخ من قساوة الزمن التي شاخت بهم في غير حين, فعندما ترى هذه المشاهد في كل شوارع المدينة حينها تعرف حجم المأساة التي يعيشها أطفال اليمن المتجسدة بالبراءة المهدورة على رصيف الضياع والفقر والحرمان .. فهل تنظر حكومتنا والجهات المعنية إلى واقع الطفولة أم أنها تبقى مهمشة على مدى السنين والأيام؟!ز

الوضع الاقتصادي متردٍ

الدكتور فخر الدين الصوفي يقول" في السنوات الأخيرة تفاقمت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ نظراً للوضع الاقتصادي المتردي في البلاد وما صاحبها من ارتفاع الأسعار وقلة الدخل لدى الأفراد؛ إذ بدأ العديد من الأطفال يتدفقون على سوق العمل، للعمل في مجالات مختلفة كالمطاعم وورش إصلاح السيارات ومواقع البناء وأعمال البيع في الشوارع وغيرها من الأعمال، التي قد يشكل معظمها خطراً على الأطفال خصوصاً من هم دون سن الخامسة عشرة.

ويتابع الصوفي" كما أن توجه الأطفال إلى سوق العمل حرمهم الكثير من حقوقهم ؛ على رأسها الحق في التعليم والصحة.. أضف إلى ذلك عدم وجود رقابة؛ حيث استقطب أصحاب العمل الأطفال المحتاجين وذلك للعمل لديهم بمبالغ زهيدة، مستغلين بذلك عدم وجود رقابة من قبل الجهات المسؤولة..

ويلحق بالقول" إن ازدياد الفتيات بين عمالة الأطفال يعكس حقيقة العلاقة بين الإناث والتعليم ، فمعدل التحاق الفتيات بالمدارس هو النصف مما هو عليه عند الذكور ، ومن بين الأسباب المشاركة في عمل الأطفال ازدياد الأطفال الخارجين من المدارس وذلك نتيجة للزواج المبكر إلى حد ما وخصوصاً بين الإناث .. والمجتمع اليمني مجتمع محافظ ، متمسك بشدة بالتقاليد الموروثة وعادات الأولين دون اعتبار إلى ما يفيد أو ما لا يفيد وإن أغلب هذه التقاليد تأثر في وضع الطفل ومستقبله ، وتدفعه وهو صغير إلى التمسك بمسؤولية العائلة.

ويختم حديثه" إن شدة اهتمام الوالدين بإنجاب أكثر عدد ممكن من الأطفال يفضي إلى تشجيع عمل الأطفال والتقليل من موارد تعليم الأطفال .. والنتيجة هي عمالة أطفال أكثر ـ إن الزواج المبكر يدفع الأبناء إلى العمل لجمع المهر ، ونفقات الزواج ونفقات الزوجة ، ونفقات الأطفال المتتابعة ، وهذه من الأسباب التي تقف وراء تخلي الأطفال عن المدارس الأساسية والعمل المبكر .

حياة تشرد قاسية

الكاتب والصحفي سياف الغرباني يبدأ حديثه " ثمة عوامل كثيرة ومترابطة ببعضها، تدفع الأطفال إلى ترك أسرهم ومنازلهم والاتجاه إلى الشوارع، لبدأ حياة تشرد قاسية. على أن الأطفال في النهاية، ضحايا أبرياء لأوضاع قاهرة؛ إما أسرية أو معيشية. قد يكون العامل الأسري وأعني عنف الآباء وتفكك الأسر، والخلافات الزوجية ووقائع الطلاق؛

ويتابع الغرباني " كلمة السر لهذا النزوح الطفولي إلى شوارع المدن اليمنية وأولها العاصمة صنعاء؛ لكن العامل الاقتصادي للأسر ووضعها المعيشي والحالة المادية ليس بمنأى عن هذه المشكلة التي تتفاقم يوم عن آخر. إن لم يكن سببها الرئيس.

يعزز هذه الفرضية؛ هو أن نسبة كبيرة من أطفال الشوارع؛ يمتهنون التسول؛ لإعاشة أسرهم في البيوت، عندما تنظر إليه ترى في عينيه نظرة من الحزن العميق والقهر.. فتى في هذا العمر لم يعش طفولته ولم يلعب كبقية الأطفال ولم ينشأ في كنف عائلة بين أم وأب وإخوة... فالأم مطلقة والأبناء الأربعة مشردون، منهم من هو بالسجن ومنهم من هرب من المنزل، والأب يعيش حياته بعيداً عن أطفاله وعائلته غير مكترث لأمورهم، وبين الفقر المدقع والتفكك العائلي عاش عدي حياة متشردة فهو يحب أمه ومتعلق بها كثيراً لكن أباه قاسي القلب يضربه ويمارس العنف الجسدي عليه بكل أشكاله.. ‏

قصة طفولة

نشأ حمزة حياة مريرة منذ طفولته لم يعرف طعم النوم والطعام حتى إنه لم يتم تعليمه الإلزامي لأنه لم يجد أحداً يرعاه ويحتضنه، يحب المدرسة ولكن الظروف القاسية التي عاشها أفقدته إحساسه بأهمية التعليم وأخذ يبحث عن مكان آخر للعيش ومن أجل أخواته الصغار اللاتي يقعدن مع الأم في البيت بعد أن مات أبوه ..

التقينا به في الصدفة ولفت انتباهنا ذلك المشهد في إحدى فرزات النقل في عدن وهو يتشبث بالناس ويدعو لهم من أجل أن يعطوه فلوساً.. بعد أن سألناه لماذا أخترت هذه الطريق فقط لطلب الرزق؛ ألم تجد سواها ؟!

فأجاب بصوت الحزين المتحسر على حاله وما آل اليه قائلاً " حياتي هذه لم أخترها بنفسي ولكنها فُرضت عليّ, أنا لا أريد هذه الحياة وإنما أتمنى أن أذهب إلى المدرسة وأتعلم مثل أي طفل في العالم كي أصبح طبيباً أو مهندساً محترماً ولكن لا أجد من يرعاني ويحميني وأنا صغير لا أقدر على العمل وانتهى الحديث وعيناه تدمعان".. ‏

الكثير يهربون من قساوة الآباء والأمهات .. أطفال و شباب وبنات وهناك من يدفعهم إلى عذاب الفقر وقلة الحيلة ولكنه يفيق على الواقع المؤلم وهو الشارع.. يجد هؤلاء طريق الانحراف أمامهم مفتوحة: طريق التدخين والمخدرات طريق العصابات التي تستغلهم أسوأ استغلال، طريق السرقة وغيرها من الطرق التي يجد نفسه أمامها وجهاً لوجه ومع ذلك ليس أمامه غيرها ليسلكها, فيصبح طفلُ الغد شاباً في قفص الجريمة والانحراف. ‏

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد