قرصنة واحتجاز ومصادرة قوارب وابتزاز خفر السواحل ومتنفذين

صيادو تهامة.. معاناة مستمرة

2012-09-17 02:30:30 التقاهم/ فؤاد الجيلاني – تحرير/ أخبار اليوم


ما تزال جراح الصيادين في تهامة، تنزف ومآسيهم تتفاقم جراء سعيهم لكسب الرزق في سواحل لم تعد آمنة، فلا يكادون ينجون من أهوال البحار حتى يقعوا ضحية قرصنة بحرية تتربص بهم، في ظل تخاذل أمني لم يعد قادراً على تأمين الصيادين والحدود البحرية، مع دول الجوار، وبحسب قول الصيادين فإنهم يعانون من الازدراء والتمييز العنصري من قبل الجهات الأمنية أو الحكومية المفترض بها صون حقوقهم وحماية ممتلكاتهم..
وأصبح صيادو تهامة في حال من لا جنسية له، بعد أن أصبح الأمر مترتباً على الخسائر المادية الفادحة التي تلحق بهم يومياً من خلال قيام السلطات اليمنية بفرض غرامات مالية باهظة عليهم دون ارتكاب أية مخالفات بالإضافة إلى مصادرة أسماكهم وأدوات الاصطياد التقليدي التي تكون موجودة على قواربهم أثناء عملية احتجازهم.
ويشكي معظمهم من انتهاك آدميتهم من قبل سلطات خفر السواحل ومكتب الثروة السمكية وابتزاز كل من يختص بأمرهم من وكلاء وجمعيات تعاونية وكبار المنتفعين ممن أثروا من ممارسات ملتوية من وراء ظهورهم.
"أخبار اليوم" تلمست هموم ومعاناة صيادي تهامة الذين ما يزالون يتعرضون لكل أنواع الظلم والانتهاك ويرفدون الخزينة العامة بالملايين، في هذا الرصد.

يقول الصياد مساوى أحمد مسوى ـ عضو جمعية الصيادين ـ بحرنا يمتد من ميدي وحتى باب المندب، وقد كنا في الماضي نصطاد بكامل حريتنا وكان لدينا موقع في جنوب الحديدة، كنا نلجأ إليه أيام اشتداد الرياح يطلق عليه ( الميامن ) ومنذ نشأة وحدة خفر السواحل بدأت مضايقاتنا منهم تزداد وبشكل ملحوظ ومتعمد، فكل يوم يخرجون لنا بقصة جديدة ووسيلة تضييق لمعايشنا في الأماكن القريبة جداً لنا، وقد دشنوا مضايقاتهم لنا بتسليم موقع الميامن لأحد المستثمرين المحليين ومنعونا من الاقتراب منه، ثم قاموا بنقلنا جبراً وبالقوة إلى مكان آخر شرق الحديدة أسمه (الجبانة) وهذا المكان بعيد جداً ويصعب علينا الوصول إليه، ويستهلكنا في قيمة المواصلات.
وأضاف: رغم أننا قبلنا ذلك النقل، إلا أنهم أيضاً ضايقونا فيه مرة أخرى، إذ وضعوا فيه لساناً بحرياً وجعلوه مرسى للقوارب الحربية التابعة لهم وصاروا يمنعوننا من الوصول أو حتى مجرد الاقتراب منه بحجة أنه موقع عسكري.
ويحدث أن يتعرض قارب أحدنا لأي عطل بسيط في وسط البحر غالباً ما يكون من السهل إصلاحه فتمنعنا قوات خفر السواحل من الإصلاح ويجبروننا على سحب القارب بواسطة لنش تابع لهم وإيصاله إلى المنزلق، وهذا قد يعطلنا من يومين إلى عشرة أيام وربما أكثر وفوق هذا وذاك فإن تكاليف الإصلاح قد تتجاوز مبلغ خمسين ألف ريال مقابل إتاوات إصلاح.
وقال عضو جمعية الصيادين: إننا لم نعد نجد أماكن للاصطياد بداخل مياه بلادنا فمعظم المناطق ملك لمستثمرين ورجال إعمال مثل منطقة (العرج) و(النخيلة) و(غليفقة) و(الطائف) وكثير من المناطق الصالحة للصيد، أصبحت كلها أملاكاً خاصة، المهم أن البر قد صار ملك قراصنة البر والبحر قد صار ملك المستثمرين وقراصنة البحر.
إلى أين نذهب؟ تساءل مساوى مناشداً.
تهم وقوارب اجنبية
ويقول علي حنش ـ عاقل الصيادين ـ إن المشكلة الرئيسية التي يعانون منها الآن هي مشكلة أنهم أصبحوا مجبرين على التجمع في منطقة (الجبانة) ومن ثم الانطلاق للبحث عن الرزق.
وأوضح حنش: أن ما يحدث هو أن خفر السواحل يتركوننا نصطاد حتى وقت معين ثم ينقضون علينا ويتهموننا بتهم مخيفة تفيد بأن وجودنا في هذه المناطق يعتبر مخالفة خطيرة ثم يقومون بمصادرة ما اصطدناه ويستنزفون ما في جيوبنا من نقود كرشاوى مقابل إطلاقنا ونعود خاليين الوفاض إلى أهالينا.
وقال عاقل الصيادين إن هذه القوات لا تعمل شيئاً جراء استنزاف ثرواتنا والصيد الجائر من قبل السفن الأجنبية وما تتعرض مواقع تجمع الأسماك المحلية من جرف عشوائي من قبل تلك القوارب الكبيرة" بولندية و هولندية وحتى قوارب من دول شرق أوسطية كتايلاند والصين وكثير من الدول.
وأكد حنش أن هذه القوارب تكون مجهزة بوسائل جرف تعمل على جرف أنواع مختلفة من الأحياء البحرية الهامة منها الحبار الذي يعتبر من أغلى وأثمن الأحياء البحرية وهو على وشك الانقراض بسبب استخدام وسيلة الجرف العشوائي من قبل هذه القوارب الأجنبية، إضافة إلى أسماك الجمبري وخيار البحر، ولا تسلم الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية التي تعمل على تجميع الأسماك من جرافات تلك القوارب بل تقوم بجرفها وقطع جذورها بحيث لا تعود للظهور مجدداً، كما أن تلك القوارب تعمل على شفط كل ما يقابلها من أحياء بحرية وبكافة الأحجام وبالتالي لا نستطيع أن نحدد مواسم اصطياد ونمو وتكاثر كل ما تزخر به بحار بلادنا من أحياء بحرية.
قرصنة احتجاز
يقول عاقل الصيادين: لدينا صيادون محتجزون بأعداد كبيرة لدى دول الجوار وقواربهم أيضاً منها ما يزال محجوزاً ومنها ما تم تدميره من قبل جنود وعسكر الدول المجاورة، دون أن يكون هناك تحرك عسكري أو سياسي أو دبلوماسي أو حتى وساطات، لحل هذه الأمور والمشاكل التي من الطبيعي أن تكون موجودة بسبب تداخل الحدود البحرية بين الدول، وبحكم أن البحر مفتوح ولا تحده حدود مثل البر، مشيراً إلى ضرورة أن تكون هناك آليات بين الدول لإيجاد حلول مبسطة لهذه المشاكل.
واستدرك حنش: هناك صيادون فقدنا أخبارهم ولم نعد نسمع عنهم شيئاً، فنعتبر أنهم ميتون، بينما هم قد ربما يكونون مأسورين، أو مفقودين ولكن لم يحدث أن ظهر أحد ممن اختفوا وفقدنا أثرهم.
وانتقد حنش قوات خفر السواحل وقال: رغم ما يمارسه ضدنا هؤلاء الجنود من ابتزاز وجباية... الخ إلا أنهم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام ممارسات سحق البيئة البحرية من قبل البحارة الأجانب، ويتناسون مهامهم في حمايتنا كصيادين محليين لنا واجبات عليهم.
وقال عاقل الصيادين بحزن: لا يوجد لدينا ضمان اجتماعي ولا ندري عنه شيئاً، ومن يتعرض من الصيادين لنكبات البحر ونوائبه فإن كان ينتمي لإحدى الجمعيات الخيرية الكبيرة فإنها تساعده بنزر يسير من المال ومن ثم نسعى له نحن بقية الصيادين لدى رجال الخير من أصحاب المال لتوفير ما يمكن ونحاول جلب قرض له من أحد البنوك.. المهم أنها كلها تعاون ذاتي بيننا البين.
جبايات بدون سندات
من جهته يقول محمد عبد الله حميدة ـ أمين عام جمعية مرسى الجبانة ـ منذ عام 1995 وحتى اليوم ونحن نطالب الحكومة تلو الحكومة بوضع لسان بحري لحماية قواربنا من الرياح دون فائدة تذكر، فقد كنا في منطقة الكثيب وكان الطين يحمي قواربنا من الرياح وشدتها، فعملوا على نقلنا قسرا، وكلما تموضعنا في مكان طردونا، قوارب كثيرة تحطمت ودمرت.
وتابع هل تعرف معنى أن يتحطم قارب صياد من الصيادين! هذا معناه أنه تم القضاء على أسرة كاملة بأطفالها ونسائها وشيوخها ومرضاها، لأنه لا يوجد لدينا ضمان اجتماعي ولا أي وسيلة من وسائل المحافظة علينا وكلما شكونا للجهات المعنية، يعدوننا بالإصلاحات، ولا نلمس من هذه الوعود شيئاً.

وأكد حميدة أنه ورغم كل ذلك إلا إنه لا يشفع لنا من التعسفات، حيث ندفع لمكتب الثروة السمكية نسبة 4% من عائدات ما نعود به من رزق جاد به رب العالمين علينا، ويتم دفع تلك النسبة لهم بدون سندات رسمية بعطونها لنا، إلا أن مندوبهم يداوم على الحضور يومياً لاستلام هذه العوائد دون وجه حق.
مضايقات
ويشكي الصياد محمد هبه قبيصي أنه ورفاقه الصيادون أصحاب القوارب البدائية يجدون من المضايقات أكثر من بقية الصيادين الذين يملكون قوارب حديثة، وقال: نحن لا نستطيع الذهاب بعيداً بسبب قدم وضعف قواربنا، مما يجبرنا على أن نصطاد في أماكن محدودة وقريبة جدا، وعندما تزداد قوة الريح نضطر أن نتماشى معها ونتوجه جهة اليمين (الميمن)، وإن صادف وجودنا مرور إحدى دوريات خفر السواحل، على الفور يهاجموننا ويعتقلوننا ويقولون عنا إننا "إرهابيين"، ويتم سجننا والتحقيقات معنا لأيام وليال طوال، ونعامل بأساليب مهينة ومذلة لآدميتنا، حتى يتأكدوا أننا صيادون محليون و لا شـأن لنا بما كادوا أن يوصمونا به من تهم باطلة ومخيفة.
وأضاف: للعلم فإن معظمنا نحن الصيادين المحليين معروفين لديهم، ولكن كل تلك التهم وسائل ابتزاز لا أكثر، وكلما حدثت مشكلة في أي مكان من المحافظات الساحلية في اليمن يتحمل تبعاتها صياد تهامة، فمثلا قضية القرصنة كلنا يعلم أن المشكلة في بحر العرب، إلا أن خفر السواحل ما أن يروننا تصطاد فإنهم يطلقون الرصاص الحي علينا بحجة أننا نساند القراصنة حتى يجبرونا على العودة.
سجون سعودية واريترية
ويروي لنا الصياد على الله عيسى إبراهيم دوس – وهو صياد تعرض للاعتقال - عن ظروف اعتقاله من قبل خفر السواحل السعودية، وعن الممارسات اللانسانية التي مورست ضده من قبل الجنود السعوديين، وقال: كنا قد انطلقنا في إحدى رحلاتنا المعتادة للصيد في منطقة ميدي وهي منطقة يمنية تقع في الحدود اليمنية – السعودية، تركونا نصطاد لمدة ثلاث ليالي وفي منتصف الليلة الثالثة فوجئنا بزورق عسكري سعودي حام حولنا بأسلوب استعراضي، ثم سألنا ماذا تفعلون هنا؟، وبدأ يتهددنا ويتوعد، ثم أمسك بهاتفه اللاسلكي وأبلغ قيادته أنه عثر علينا في الشريط التابع لهم، وبناء عليه جاءته أوامر باحتجازنا.
وأضاف: بالرغم أننا في منطقة ميدي أي أننا في حد تابع للحدود اليمنية إلا أنه أصر أننا دخلاء، وأمر جنوده بقطر قاربنا واعتقالنا وحين أوصلونا لمركز الإنزال التابع لهم سلمونا لجنود آخرين واقتادونا إلى سجن في مدينة جيزان، وظللنا محتجزين هناك لمدة شهرين مورست خلالها ضدنا أساليب تعذيب قاسية وشتائم استحي من ذكرها، ومن يحاول منا يرد أو يدافع عن نفسه يتهمونه بالإرهاب ويأخذونه لسجون أخرى.
وتابع دوس: بعد شهرين من المعاناة، صدرت أوامر مشروطة بالإفراج عنا، واشترطوا علينا أن نوقع وثائق نتنازل فيها عن قواربنا مقابل الإفراج عنا، فأظطررت تحت وقع التعذيب والممارسات المذلة التي كنا نتعرض لها، للتوقيع على التنازل عن قاربي الذي لا أملك سواه، وهو مصدر رزقي الوحيد، الله شاهد أنني قد استدنت قيمة شرئه مع معداته مبلغ 12 مليون ريال يمني، وتم الإفراج عني، بينما رفض أخي التوقيع والتنازل عن قاربه، فأبقوه مسجوناً ولم يفرجوا عنه، والى اليوم يكمل ستة أشهر وهو لا يزال مسجوناً لديهم حتى يومنا هذا، ولا نعرف ما مصير
أما محمد إبراهيم السنان – وهو صياد من منطقة الخوبه، شمال مدينة الحديدة ـ فله حكاية مع القوات الارتيرية، حيث أعتقل وصودرت منه ثلاثة قوارب دفعة واحدة من قبل القوات الإريترية.
ويحكي السنان مأساته ودموع القهر تذرف من عيناً، أسفاً على حاله الذي تبدل إثر مصادرة قواربه الثلاثة، ويقول بأن جنود القوات الارتيرية حين أسروه ورفاقه، باشروهم بالهجوم ليلاً، وضربوهم بأسياخ الحديد، ثم أخذوهم عنوة على زوارقهم العسكرية وقطروا مراكبهم ورموا بهم في غيابة السجون.
وأضاف: ظللنا هنالك مدة ثلاثة أشهر، وكانوا يجبروننا خلالها على تنظيف المراحيض، ويربطوننا بسلاسل متصلة ببعضنا البعض، وكانوا حين يفرجون عن مجموعة منا يبحثون عن قوارب قديمة ومتهالكة، يملأونها بقليل من البترول، ويحشروننا فيها بأعداد تفوق قدرة احتمال القارب، فمثلا إن كانت سعة القارب عشرون فرداً يحشرونه بخمسين أوستين فرداً، ثم يتركوننا نواجه مصيرنا في البحر نصل أو لا نصل.
يقول السنان: المحزن في الأمر أن حكومتنا لا تبالي بكل ما يحدث لنا من انتهاكات وأضرار وظلم، نتعرض له من قبل هذه الدول التي تتمادى في غيها لأنها تعرف تماماً أن دولتنا لن تحرك ساكنا إزاء تصرفاتها المجحفة بنا، وقد قدمنا شكاوى كثيرة ومتنوعة، إلى وزارة الثروة السمكية، ووزارة الخارجية، ورئاسة الوزراء، ومجلسي النواب والشورى، لتنقذنا من هذه الاعتداءات التي نتعرض لها، إلا أن شكوانا هذه ذهبت أدراج الرياح، ولا أحد يسمعنا أو يصغي لأناتنا نحن الصيادين لأننا من تهامة ونحن في نظر قيادات الدولة ومسئوليها لا قيمة إنسانية لنا.
يضيف: أتذكر أن أحد زملائنا الصيادين احتجزته قوات الأمن السعودية لمدة شهرين وصادرت قاربه، وحين عاد ووجد نفسه أصبح يستجدي قوت يومه، فأستدان مبلغاً وصعد إلى صنعاء وقدم شكوى إلى وزارة الثروة السمكية، والتي بدورها أحالته إلى وزارة الخارجية، ثم أحالوه إلى السفارة السعودية، وبعد ثلاثة أشهر من الطواف بين الوزارتين والسفارة، عاد إلينا يجر أذيال الخيبة مكللاً بملزمة ضخمة من المذكرات والتوجيهات ودين كبير حمله على كاهله قدره ( مليون ونصف ريال ).
وتابع مستنكراً: نحن في كل رحلة خروج للصيد نجبر أن ندفع لمكتب الثروة مبالغ تفرض علينا تحت مسميات عديدة، كرسوم وخلافة، وعندما نتعرض لنكبات وغوائل الدهر، لا نجد من يعيننا بفلس واحد، فلا جمعيات تحمينا، ولا تعاونيات 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد