اجليكا: " أني أشتي أتعلم منشان أقع دكتورة"

2012-02-02 04:36:21 أخبار اليوم/ خاص

 


كانت إنجيليكا فرج تدرس في الصف الأول وتحلم بأن تكون طبيبة عندما تكبر وتعالج ابناء منطقتها بأبين.. الآن انجيليكا نحيلة الجسم ، غائرة العينين بسبب سوء التغذية وعدم الرعاية الصحية.

تقف انجيليكا ابنة السبع سنوات النازحة بسبب قصف أبين ومواجهات الجيش والقاعدة شاردة اللب محبطة ويائسة وكأنها تحدث نفسها بأن حلمها بإرتداء ترتدي بزة الطبيبة ربما أصبح بعيد المنال.. فهي اليوم لا تمتلك حقيبة ولا كُراسة ولا حافظة أقلام.
تقول انجيليكا:" لا يوجد عندي ثياب مدرسية ولا دفاتر ولا أقلام وكل يوم أخرج إلى الشارع أتفرج على البنات من عدن وهم يروحوا المدرسة ولابسين ثياب ومعهم شنط ونحنا مافيش معنا لا مدرسة ولا حاجة ونحنا الآن نتعلم في هذه الخيم وإلا في الساحة وما فيش معنا كتب ولا سبورات، أني أشتي أتعلم منشان أقع دكتورة".
ظروف النزوح القاسية أجبرت انجليكا والعشرات ممن هم سنها للعيش في مدارس عدن لا لتتعلم فيها ولكن للمأوى، فمدارس تحولت إلى سكن تأوي مئات الأسر المهجرة.. ينامون في العراء عرضة للأمراض والأوبئة في بيئة لا تبدو سليمة، تحيط بها الروائح الكريهة والقاذورات.. عائلات تشتكي الإهمال والتمزق.. فقر، وألم، وحرمان وتهميش.
"أخبار اليوم" زارت النازحين بالمنصورة في مدرسة الأهدل وفي البساتين ورصدت أوضاعهم فيما يتعلق بالسكن والصحة والتعليم والغذاء والبيئة في هذا الاستطلاع.
استطلاع: علي الصبيحي
لم تكن انجليكا وحدها من بين الأطفال من يتمنى أن يتعلم فزميلتها روان إبراهيم تشاطرها الحلم وتقول لي:" يا عم متى يرجعونا إلى البيت أني فقدانه للمدرسة".. فلم أملك إلا أن أطيب خاطرها وأبشرها بأنها ستعود قريباً إلى مدرستها في أبين، وما إن أكملت كلامي حتى سألني الطفل عبده فيصل في الصف الرابع ابتدائي:" متى بايعطونا كتب؟ معانا امتحانات، وأشتي أراجع دروسي."
تلك بعض النماذج للطلاب النازحين من أبين ولا ندري من يتحمل المسؤولية؟!.
اشكاليات
يقول رئيس الاتحاد الوطني لتنمية الفئات الأشد فقراً نصر مشغل علي ـ رئيس الإتلاف اليمني للتعليم للجميع أن مسألة التعليم لطلاب نازحي أبين مغيبة بنسبة 98 % بسبب عدم تجاوب مكتب التربية والتعليم، لانها واجهت صعوبة في توفير المعلمين والمدارس، ولأن مكتب التربية ـ أبين لم يتجاوب معها في إلزام المعلمين بمباشرة عملهم لتعليم الطلاب النازحين، كذلك لا تتوفر الكتب المدرسية للطلاب الذين تعاونت بعض مديريات عدن وضمتهم إلى مدارسها ومازال هناك عدد كبير من الطلاب النازحين لم يشملهم الدمج، لذلك نطالب مكتب التربية أبين التدخل السريع وفتح مدارس وتوفير معلمين، كما أننا نطالب المنظمات الإنسانية بتوفير وجبة أساسية للأطفال، كون الوجبات التي يحصلون عليها ضعيفة، ثم إننا نناشد المنظمات العاملة في مجال رعاية الطفل أن توفر الملبس الأساسي والزي المدرسي ومستلزمات التعليم، لكون أسر الطلاب النازحين لا تستطيع توفير متطلبات التعليم، بحكم عدم توفر مصادر دخل لديها.. إلى ذلك نطالب الوحدة التنفيذية بالقيام بمسؤولياتها والنظر بعين الرحمة للنازح وتوفير الحقوق الأساسية له المتمثلة في السكن الأمن والغذاء والرعاية الصحية والتعليم.
استنكار
تقول صابرين العوسجي ـ وهي معلمة متطوعة في مدرسة الأهدل للنازحين ـ أن الطلاب ينقصهم الكتاب المدرسي والفصول والسبورات والوسائل التعليمية وكذلك مستلزمات التعليم ومع ذلك نبذل جهداً كبيراً في مواصلة تعليمهم حتى لا يضيع عام دراسي.. وهذا ما تؤكده أيضاً زميلتها هناء إسماعيل التي أشارت إلى أن التعليم مستمر ولكن الصعوبة في الإمكانيات المتعلقة به.. وعن دور مكتب التربية أبين قالت صابرين العوسجي ـ معلمة مادتي الرياضيات والعلوم للصفين السابع والثامن: عندما زارتنا تربية أبين في هذه المدرسة وطالبناهم بتوفر معلمين أساسيين وتوفير النواقص تفاجأنا برد قاسي، بل إنها أهانتنا وقالوا لا نريد متطوعين ولم نطلب منكم تعليم الطلاب.
يوسف عبدالله ـ معلم متطوع ـ يقول: نحن ساهمنا في تعليم الطلاب ونحن عاطلون عن العمل ويوجد عندنا شباب لم يحصلوا على فرض عمل وكانوا يعتمدون على أعمال خاصة في المزارع والإصطياد.
الأستاذ/ محمود أحمد عوض ـ مدير إدارة الأنشطة المدرسية بمكتب التربية أبين ومقرر لجنة عودة الطالب النازح للدراسة ـ أشار في حديثه إلى أن لجنة عودة الطالب النازح عملت بفريق ميداني مكون من 38 شخصاً ونزل الفريق إلى كل مديريات أبين، وأيضاً عدن ولحج وخلال تسعة أيام توصلنا إلى نتيجة تقريبية لعدد الطلاب المنقطين عن الدراسة وهم حوالي 16 ألف طالب وأغلبهم من زنجبار التي تضررت فيها تقريباً 135 منشأة تعليمية..
 بعدها إلتقينا بمكتب التربية عدن وتعاونوا معنا في دمج وقبول بعض الطلاب في بعض مدارس عدن وفعلاً ضمينا عدداً كبيراً إلا أنه وبسبب الضغط الكبير على مدارس عدن اقترحنا حلولاً بديلة منها فتح مدارس للطلاب في أماكن تواجدهم وفتحنا مدرسة الأهدل ومدرسة زينب ومدرسة عمر بن الخطاب وحتى هذا الحل واجهتنا فيه عراقيل منها عدم توفر المعلمين والمدارس بحكم أنها سكن للنازحين لا تستوعب الكم الهائل من الطلاب وأيضاً كانت هناك صعوبة في جذب الفتيات الطالبات بحكم تواجد شباب مقيم في تلك المدارس، لأنه يتطلب منا مسؤولية الحفاظ على الطلاب ومع ذلك حاولنا نتعايش مع أسوأ الظروف التي واجهتنا رغم شحة الإمكانيات.
يتابع أ. محمود حديثه: الإخوة في منطمة اليونيسيف دعموا فرق اللجنة أثناء عملها الميداني وكذلك قدموا لنا دعماً لوجستياً ووفروا الخيام ومكتب تربية أبين أيضاً قدم لنا دعماً معنوياً وتفاعل ونحن نعذرهم لأنه لا توجد أي مخصصات أو موازنة تشغيلية حتى أننا وفرنا بعض المواد القرطاسية من رواتبنا وحاولنا نتجاوز كل الظروف في سبيل مستقبل أبناءنا واليوم عندنا ما يقارب 4199 طالباً في خور مكسر يدرسون بشكل منتظم.. أيضاً بدعم اليونيسيف عملنا أربع خيم في الحرم الجامعي مجمع النازحين، وأعدنا 401 طالب للدراسة ووفرنا 10 معلمين، والآن نسعى لتوفير معلمين لمدرسة الأهدل، وأعدنا 400 طالب لمواصلة التعليم في مدرسة عمر بن الخطاب.. صحيح هناك قصور لكن أيضاً هناك جهود تبذل لأننا أمام طوارئ.. وباقي عندنا المعلا والتواهي وجزء من خور مكسر سنبحث حتى نجد الحلول، لأننا نحتاج إلى وسائل تعليمية ـ مواصلات ـ نفقات ـ إمكانيات ملحة توفير الكتاب والمعلم.. وحالياً نعمل في مشروع الدعم النفسي للطالب وللمعلم وولي الأمر لتلافي آثار الصدمات النفسية وهو مشروع يدعمه صندوق الدعم السريع منظمة ـ يوشا ـ اليونيسيف، بالشراكة مع مؤسسة الفارس للتثقيف.. لذلك أناشد الجميع الوقوف معنا يداً بيد حتى نعيد الطالب النازح للدراسة.
لا يختلف الحال في مدرسة سعيد ناجي بالمنصورة، فالنازح فيها محروم مما حرم منه بقية النازحين في المدارس الأخرى وأينما نتجه نجد أمامنا صوراً مؤلمة ترتسم في وجوه الأسر، فالمعاناة تكاد تكون ملتصقة بنازحي أبين أينما أقاموا.
الألم
أم إيهاب وهي أرملة وأم لعشرة أبناء، لم تتمالك نفسها ولم تستطع أن تحبس دموعها وهي تنظر لحال أطفالها الجياع، فاقتادتنا لترينا مسكنها وأشارت إلى كيس من الدقيق وبعض الفرش الممزقة وقالت: هذا بيتنا بعد النزوح وهذه التي ننام عليها وهؤلاء أبنائي لا يكفيهم الكيس الدقيق أسبوع واحد وقد انقطعوا عن التعليم، لأنني لم أستطع أن أوفر لهم الملابس والحقائب والدفاتر ولا يوجد عندي سوى الله، فزوجي لم يكن موظفاً وكنا نعمل في القطاع الخاص.
 وأضافت أم إيهاب: ذهبت أمس إلى بيتي في الطميسي أبين ووجدته قد نُهب وسرق كل ما تركناه حتى الأبواب والنوافذ والمراوح وأنا أحمل المحافظ والمسؤولين في أبين المسؤولية وأقول لهم إن أطفالي في ذمتهم وحسبنا الله في كل مسؤول.
الضياع
الحاجة مريم تقدمت إلينا بخطوات متثاقلة وتكاد تقع وقالت: يا ابني والله إني بلا صبوح ـ أي بدون إفطار ـ واليوم حالنا أصبح مثل الصومال، حتى الصومال لهم قيمة وعندهم بيوت في عدن. وتابعت الحاجة مريم الحديث وهي تبكي: مش نباحد يعطينا حاجة، بس نبا نرجع إلى بيوتنا ونموت بأرضنا.
هو الآخر مزقه الألم الوالد/ ناصر حمادي من منطقة المسيمير أبين، تحدث لنا عن معاناته وحرمان أسرته قائلاً: أنا مزارع ولا يوجد عندي مصدر دخل وكان رأس مالي "الماشية" ومع الحرب ماتت 4 أبقار و 17 رأس غنم واليوم لا أملك شيئاً، لأن كل ما أملك هلك وأصبحت جيعان أنا وعيالي.
أم عبدالله من زنجبار هي الأخرى في بؤس وشقاء قالت: أنظر إلى حالنا في هذه المدرسة وتعال صور غرفنا، شوف شو داخلها فرشان مقطعة ومعنا من 5 كيلو "دال" فاصوليا وأرباع سكر وقليل زيت ـ وكيس دقيق قالوا لنا أنه حق شهرين وعندنا أطفال، بعض الأسر مكونة من 13 وين الوحدة التنفيذية وين المحافظ والمسؤولين نباهم ينزلوا عندنا ويشوفوا حالنا؟!.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد