مابين ثورة اليوم وثورة الأمس عبر يجب تعلمها ورموز ثورة يجب تذكرها في الذكرى الحادية والأربعين لاغتياله :

فيصل عبد اللطيف ألق الثورة وقائدها السياسي الفذ (2)

2011-05-02 14:00:18 أبوبكر الجبولي


* فيصل والرؤى الفكرية والسياسية للثورة
لم يقتصر دور فيصل عبد اللطيف في مرحلة الثورة على قيادة العمل الفدائي والقيادة الميدانية عسكرياً وسياسياً لحرب التحرير مع رفاقه في الجبهة القومية، بل تجلى نبوغه بوضع الرؤى النظرية والفكرية والسياسية لمسار نضال الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن، فرغم انشغالاته بقيادة معارك الكفاح المسلح والعمل الفدائي والسياسي أصدر أربعة كتب (( الاتحاد الفدرالي المزيف)) و(( أضواء على الثورة في جنوب اليمن المحتل )) و(( مؤتمر لندن للخيانة )). وشارك مع رفاقه أعضاء اللجنة التنظيمية للجبهة القومية: عبد الفتاح إسماعيل وخالد عبد العزيز وعلي عبد العليم بوضع كتاب (( كيف نفهم تجربة اليمن الجنوبية الشعبية )). في غضون أربع سنوات فقط وعمره لم يتجاوز30عاماً، ودون أن يحمل مؤهلا أكاديميا سوى البكالوريوس. أنجز هذه الأدلة السياسية والنظرية للثورة،كرؤية فكرية حول قضية كبيرة وخطيرة بحجم تحرير وطن من براثن أعتى إمبراطورية استعمارية.
حينما جرى دمج الجبهة القومية مع جبهة التحرير, في 13يناير 66م في كيان واحد أطلق عليه (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل) وفقا لرغبات المخابرات المصرية، كان فيصل عبداللطيف وقحطان الشعبي ومحمد أحمد البيشي وعبد الفتاح إسماعيل وأحمد صالح الشاعر وعبدالله الخامري من ابرز قيادات الجبهة القومية التي رفضت مشروع الدمج، كان فيصل يومها يقود العمل الفدائي في عدن، وفي اليوم الثامن للدمج كان عائداً إلى تعز ومعه محمد أحمد البيشي وعبد الفتاح إسماعيل وأحمد صالح الشاعر وعبدالله الخامري.
وبينما وصل رفاقه إلى تعز احتجز جيش التحرير فيصل والبيشي في منطقة الحبيلين واقتادهما إلى مقر جهاز المخابرات المصرية بتعز،ثم نقلا إلى القاهرة ليظلا قرابة تسعة أشهر تحت الإقامة الجبرية بمعية قحطان الشعبي وآخرين من قادة الجبهة القومية الرافضين لمشروع الدمج، غير أن فيصل تمكن من الإفلات والسفر إلى بيروت ومنها عاد إلى اليمن .
لم يستمر دمج الجبهتين سوى بضعة أشهر،فقد رفضه غالبية المشاركين في المؤتمر الثاني للجبهة القومية المنعقد في 7حزيران 66م بمدينة جبلة،رغم غياب ابرز قادة الجبهة،وفي المؤتمر الثالث للجبهة القومية المنعقد برئاسة فيصل عبد اللطيف في قعطبة خلال 29نوفمبرـ 3 ديسمبر 66م اتخذت قراراً حاسماً بالانسحاب من (جبهة التحرير)، و في 12ديسمبر 66م أصدرت بيان الانسحاب رسميا .
عقب هزيمة العرب في5يونيو 67م أمام إسرائيل التي احتلت أراض عربية شاسعة في مصر وسوريا والأردن وفلسطين قرر فدائيو الجبهة القومية وثوارها المنضوون في الأمن والجيش أن يرسموا في جنوب الوطن  شعاع نور يرد اعتبار الأمة العربية ،فانتفض طلاب مدرسة الأمن بمساندة ضباط وجنود الأمن والجيش على قوات الاحتلال يوم 20 يونيو67م وخاضوا معارك شرسة بقيادة فيصل عبد اللطيف أسفرت عن الاستيلاء على مدينة كريتر طيلة 16 يوماً، وطرد القوات البريطانية منها ،إلا أن الجبهة القومية تعرضت خلال تلك الانتفاضة لخسارة فادحة،حينما خسرت واحدا من أبرز أبطالها ـ عبد النبي محمد صالح مدرم ـ مسئول القطاع الفدائي في كريتر، الذي استشهد في اليوم الثالث للانتفاضة على أيدي مندسين من خصوم الجبهة القومية.
*فيصل وسيمفونية عطروش "برع يا استعمار"

لم يكتف فيصل بما وضعه من رؤى نظرية للتعاطي مع قضية وطنه المحتل،بل آمن هذا الشاب القادم من ريف الصبيحة بأهمية سلاح الكلمة في خندق البندقية لمواجهة المستعمر ،وتوعية الشعب بقيم الحرية، فبحث عن الأغنية الثورية لتسخير فعلها في مخاطبة وجدان الجماهير التواقة للحرية,. بحث فيصل بمعية رفاقه في الكفاح قحطان الشعبي وعبدالله الخامري وسالم ربيع علي عن الأغنية الثورية المشعلة للحماس الثوري، وإذكاء وجدان الشعب وتحفيزه للثورة، فكان عطروش بغية فيصل ورفاقه، يقول بلبل الثورة المبدع محمد محسن عطروش ((كنت ذات يوم أقوم ببروفات لبعض الأعمال الغنائية في منزلي بمحافظة أبين فإذا بطارق يقرع الباب، وحينما سئل عما يريد، قال إنه يريد رؤيتي لضرورة ملحة، فخرجت لأراه فإذا بي أمام رجل ملثم، وما إن رفع اللثام حتى كانت المفاجأة التي سررت لها, فلم يكن ذلك الرجل إلا الرئيس سالم ربيع علي رحمه الله.... يومها قال لي سالمين إن الإخوان ويقصد قحطان وفيصل وعبد الله الخامري قد أوكلوا إليك مهمة وطنية كبيرة، لثقتهم أن ليس هناك من هو أقدر منك على القيام بها. وحينما سألته عن طبيعة هذه المهمة، قال المهمة تتمثل في عمل أنشودة وطنية حماسية تكون شعاراً لمقاومة الاستعمار وتلهب صدور الجماهير وتحمسها لقيام الثورة. وفعلاً قدمت أنموذجين لأنشودتين وطنيتين للأخ فيصل عبد الطيف، لكن فيصل قال إن بإمكانك يا محمد أن تقدم ما هو أفضل من هذين العملين وأكثر منهما تأثيراً، شارحاً لي بعض الأفكار التي يمكن أن تتضمنها الأنشودة، فكان أن عاودت الكتابة حتى وصلت إلى الصيغة النهائية لـ (( برع يا استعمار))..... الثقافية العدد 270 ... 2 ديسمبر 2004م)
ويتذكر عطروش لحظات استكماله نشيد الثورة، وسفره إلى القاهرة،وعرضه على قادتها المناضلين فيصل والخامري وقحطان (( ثم قمت بتسجيلها بمدينة المنصورة في عدن ،وسافرت في 63م إلى القاهرة للدراسة،وحملت نسخة من هذه الأنشودة لأعرضها على الأخوين فيصل والخامري، واللذين بدورهما أخذاني للقاء الرئيس قحطان الشعبي في منزله لمعرفة ما إذا كانت الأغنية بالصورة المطلوبة أم أنها تتطلب تعديلات أو تنقيحات معينة، ما أن رآني السيد قحطان حتى أخذني بالأحضان، وقال إنني كنت على يقين بأنك أنت وحدك من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة. وفي اللقاء كان للأخ فيصل رأياً بأنه كان ينتظر ما هو أفضل، لكن قحطان رأى أن الأغنية مستوفية الشروط المطلوبة ويمكنها أن تؤدي الغرض .. نفس المصدر )).
ويتابع عطروش وصف تأثير النشيد الثوري الخالد
( برع يا استعمار برع
من ارض الأحرار برع
وإلا الليلة يطويك التيار
تيار الحرية تيار القومية ... )
 (( وبعد النجاح الذي حققته هذه الأغنية قال لي المناضل فيصل، لقد نجحت في جعل الأغنية ابعد من شعار للجبهة القومية وفتحت الباب لكل مواطن لينضم إلى صفوف الثورة وهذا شيء نعتز به. المصدر ذاته).
* ابرز صناع الاستقلال المجيد
في 4 سبتمبر 67م وبعد تساقط اغلب الأمارات والسلطنات أعلن قحطان الشعبي إن الجبهة القومية ستفاوض بريطانيا إذا ما أعلن المندوب السامي في عدن اعتراف بريطانيا بالجبهة القومية ممثلا حقيقياً لجنوب الوطن. وفي 6نوفمبر67م أعلن الجيش العربي في القوات البريطانية ولائه للجبهة القومية،غادر عدن المندوب السامي ( همفري تريفلين ) إلى لندن لإجراء مشاورات مع المستر( براون) وزير خارجية بلاده،بشان عرض قحطان. وما لبثت بريطانيا حتى أعلنت في 13 نوفمبر استعدادها للتفاوض حول استقلال الجنوب العربي مع الجبهة القومية كممثل وحيد لشعب الجنوب.
شكلت القيادة العامة للجبهة القومية وفدها برئاسة أمينها العام قحطان الشعبي للسفر إلى جنيف للتفاوض مع بريطانيا بشأن الاستقلال، كان فيصل ابرز أعضاء الوفد إلى جانب رفاقه عبد الفتاح إسماعيل، سيف الضالعي ،خالد محمد عبد العزيز،محمد احمد البيشي ،العقيد/عبدالله صالح عولقي، عبدالله عقبة (مترجما) ، واحمد علي مسعد (سكرتيرا) إلى جانب هيئة استشارية في مختلف المجالات،ضمت المقدم/حسين المنهلي،محمد احمد عقبة،المقدم/محمد احمد السياري، د. محمد عمر الحبشي،ملكة عبداللاه احمد.ابوبكر سالم قطي، عادل خليفة.
بينما ترأس الوفد البريطاني اللورد شاكلتون الوزير بلا وزارة في الحكومة البريطانية،وأثناء المفاوضات لم يستطع اللورد شاكلتون إخفاء دهشته وإعجابه بحنكة الزعيمين القادمين من وادي شعب أشظف أرياف الصبيحة، عندما قال (إنني معجب بوفد الجبهة القومية ،وعلى وجه الخصوص بالسيدين قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف).
بعد مفاوضات شاقة امتدت من 21ــ 29 نوفمبر1967م وقع الجانبان ممثلو جنوب الوطن والبريطاني يوم29نوفمبر على وثيقة الاستقلال .وفي اليوم ذاته عقد الوفدان مؤتمراً صحفياً مشتركاً أعلنا خلاله إن يوم30نوفمبر1967م الموافق 28شعبان1387هـ هو يوم استقلال جنوب الوطن وميلاد دولته المستقلة (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية آنذاك).
أصدرت القيادة العامة للجبهة القومية صبيحة الاستقلال قراراً بتعيين أمينها العام قحطان محمد الشعبي رئيساً للجمهورية وقائداً أعلى للقوات المسلحة،وكلفته بتشكيل حكومة الدولة المستقلة،فتشكلت أول حكومة لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية آنذاك من 12 وزيراً برئاسة قحطان الشعبي ضمت سيف الضالعي وزيرا للخارجيةـ عبد الفتاح إسماعيل وزيرا للثقافة والإرشاد وشئون الوحدة ـ فيصل عبد اللطيف وزيرا للتجارة والاقتصاد والتخطيط ـ علي سالم البيض وزيرا للدفاع ـ ـ فيصل بن شملان وزيرا للأشغال والمواصلات ـ محمد علي هيثم وزيرا للداخلية ووزيرا للصحة بالوكالة ـ محمود عشيش وزيرا للمالية ـ عادل خليفة وزيرا للعدل ـ محمد عبد القادر بافقيه وزيرا للتربية والتعليم ـ عبد الملك إسماعيل وزيرا للعمل والشئون الاجتماعيةـ سعيد العكبري وزيرا للإدارة المحلية ووزيرا للزراعة بالوكالة. ثم عين احمد صالح الشاعر وزيرا للزراعة واحمد صدقة وزير للصحة. : تولى فيصل عبد اللطيف وزارة التجارة والاقتصاد والتخطيط في أول حكومة للجمهورية الوليدة،وفي 5 ابريل 1969م تولى رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية.
وحين انفجر الاقتتال الأهلي قبيل الاستقلال بين شريكي الكفاح الجبهة القومية ومنظمة التحرير خلال 3-6توفمبر 67م، فان الوئام داخل المكون الواحد لم يدم سوى بضعة أشهر.هذه المرة كان الصراع بين رفاق الكفاح داخل الجبهة القومية ذاتها،حول ماهية الدولة، وأساليب إدارتها،وتحديد منهجها وسياستها الخارجية.
فقد انشقت الجبهة إلى جناحين،احدهما يدعو إلى ضرورة تغيير جذري وسريع في الحكم،قاده عبد الفتاح إسماعيل ،سلطان احمد عمر ،عبدالله الاشطل،عبدالله الخامري،وسالمين، علي صالح عباد،ومحمد علي هيثم.
وآخر يدعو إلى تغيير تدريجي متريث على رأسه فيصل عبد اللطيف ،قحطان الشعبي،سيف الضالعي، احمد صالح الشاعر،وعلي عبد العليم.
بدت بوادر الاحتكاكات مكشوفة بين الجناحين منذ 30يناير 68م ثم تحولت إلى مصادمات مسلحة منذ المؤتمر الرابع للجبهة القومية بمدينة زنجبار مارس 68م ، وخلال الفترة بين20مارس و14مايو 68م غدت مصادمات دموية،لتبلغ ذروتها صبيحة 22يونيو 1969م بانقلاب دموي تصفوي نفذه من وصفوا بـ (جناح اليسار المتطرف) في الجبهة القومية ضد مؤسسات الدولة وطليعة كفاح التحرير( الجبهة القومية)
صبيحة الانقلاب تنازل رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة ـ أمين عام الجبهة القومية قحطان الشعبي عن السلطة طواعية ،رافضاً استخدام القوة والسلطة التي بيده لإسالة قطرة دم من أجل (كرسي الحكم).الكرسي ذاته الذي سالت حوله فيما بعد وما زالت حتى يوم الناس هذا انهر من الدماء والمآسي والآلام.
صبيحة الانقلاب استقال فيصل من منصبه كرئيس للوزراء ووزير للخارجية وعاد إلى منزله, ولما سئل عن دواعي استقالته قال القائد السياسي للثورة مقولته الأخيرة (سلمناهم السلطة وسنتعاون معهم إذا ما احتاجوا لنا) .عرضت عليه المجموعة الانقلابية منصب عضو مجلس الرئاسة لشراء تأييده, لكنه رفض الانقلاب ورفض المنصب.
رغم استقالة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومعهم صفوة قيادات الجبهة القومية والدولة لم يخجل الانقلابيون من اعتقال قياداتهم وكوكبة من رفاقهم مسئولي الدولة وقادة الجبهة القومية وفدائيي الثورة وأبطالها.
اعتقل فيصل عبد اللطيف القائد السياسي وقائد القطاع الفدائي للثورة ،مؤسس الحركة القومية في اليمن والجزيرة العربية منذ صبيحة الانقلاب, وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله بخور مكسر لعدة أسابيع، وبذريعة منع تهريبه طوق الانقلابيين منزله بوحدات من الجيش، قبل أن ينقلوه إلى كوخ خشبي بدار الرئاسة بجوار زنزانة رئيس الجمهورية قحطان الشعبي،
ثم نقل الزعيمان معا إلى زنزانتين منفصلتين في معتقل الفتح بجوار زنازن كوكبة من قيادات الجبهة القومية ومناضلي حرب التحرير، ومنهم أخوه غير الشقيق عبد القوي محمد رشاد.
وفي ليلة الخميس 1أبريل 70م أعلن الانقلابيون رسمياً مقتل فيصل برواية ملفقة مثيرة للاستهجان والازدراء .
اغتيل فيصل السياسي الشاب،ألق الثورة ونجمها الساطع في زنزانته بالفتح وعمره لم يتجاوز 34عاماً، والافضع إن مكان قبره لا يعرف حتى اليوم .
* شهادات للتاريخ
باغتيال فيصل خسر الوطن زعيماً وطنياً وسياسياً محنكاً، ورمزاً من أنصع رموزه الفذة، بشهادة خصومه قبل مواليه. وباغتياله تغيرت الخارطة في جنوب الوطن سياسيا واجتماعيا وامنيا واقتصاديا ، وغدا القتل والسجن والاختطاف والإخفاء وتهم الخيانة والعمالة هي اليقين, وما عداها احتمال.
*ومع تفشي هذه المفردات تفشى الخطر والتشدد الأيديولوجي
يقول سالم صالح محمد مساعد أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني سابقا ـ المستشار الحالي لرئيس الجمهورية (( ولكن الشيء الخطير الذي حصل فيما بعد كان مقتل القائد الفذ فيصل عبد اللطيف في السجن في ظروف مازالت غامضة حتى الآن ، واعتقد أن دمه هو الذي جر الدم في هذه التجربة. الخليج الإماراتية العدد 7552 ، 22 يناير2000م))
ويصف الكاتب فريد صحبي تألق الشهيد فيصل ومكانته في الوطن (( كان زهرة هذا الوطن... كان متألقا بشخصيته الآسرة الزاخرة بالعطاء وبكل القيم والمثل والأخلاق العظيمة .كان رجل عصر، وكان أغلى الرجال،كان رجلا نادرا من أولئك الرجال الذين يعتمد عليهم في نهضة امة ومستقبل شعب. (( الأيام )) العدد( 696) - 23 فبراير 2000م)).
ويتحدث عما جرته تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت بحق أبرز زعماء ثورة الجنوب, وأعظم من أنجبهم الوطن، وما ترتب عليها من أضرار فادحة بالوطن وشعبه (( شكل اغتيال فيصل عبد اللطيف في سجنه بزنزانة الفتح بداية لظاهرة التصفيات الجسدية التي لم تتوقف وأضرت بمسار السلطة في الجنوب.
 مقتل فيصل عبد اللطيف لم يكن مجرد شيء خطير وحسب،ولا حتى انعطافا في مسار الثورة اليمنية قي الجنوب،لا بل أن اغتيال فيصل عبد اللطيف شكل مقتلا للثورة اليمنية في الجنوب وطعنة غادرة لكفاح شعب.. يوم سال دم فيصل على أرض زنزانته انساب خيط من الدم تحت القضبان ليمر عبر الزنازن إلى خارج السجن, ويمتد إلى الشارع في عدن, ثم يمتد ويمتد إلى كل مكان. إلى أبين إلى شبوة إلى حضرموت, ويظل خيط الدم ينساب في ظلام ليل طويل لعلعت فيه رصاصات الغدر, لتخترق صدور زهرات شباب الوطن وخيرة رجال هذه الأمة, ومن لم يمت بالرصاص مات بالهوان... المصدر ذاته )).
أما المناضل الوطني الشيخ عبد القوي محمد رشاد فيقول ( كانت عملية اغتيال فيصل عبد اللطيف بداية للمرحلة الدموية الطويلة التي بدأت بها عملية انقلاب 22 يونيو والتي جرت في تيارها الآلاف من الشهداء والضحايا وانتصرت فيها النزعة الدموية لبعض قيادات الانقلاب) (عبد القوي محمد رشاد ملاحظات على شهادات للتاريخ الأيام العدد  615 ،5ابريل 2000م).
* رجل دولة من طراز نادر
بحسرة وأسى يصف المناضل الرئيس علي ناصر محمد حنكة وتألق رفيق دربه في الكفاح فيصل عبد اللطيف ويعترف بأنه كان رجل دولة من طراز نادر ( كان فيصل احد الأقطاب البارزين لحركة القوميين العرب ويعود الفضل إليه في تأسيس فرع الحركة في اليمن.. وكان احد القياديين البارزين في الحركة القومية ويمتلك مواهب سياسية وقيادية فذة وهو رجل دولة من طراز نادر،ولكن الخلافات التي عصفت بقيادة الجبهة القومية لم تمهله طويلا للبقاء في الحكم والحياة للاستفادة من قدراته الكبيرة .. وقد ادخل السجن بعد خطوة 22 يونيو 69م واغتيل داخله، وكان ذلك خسارة كبيرة للثورة والوطن( ((الأيام)) العدد(567 )15 يناير 2000م ) وحينما سئل المناضل محمد سالم باسندوة رئيس حزب الشعب العربي الاشتراكي سابقا عن القادة الذين اشتهروا في العمل السياسي والكفاح المسلح، قال بسمو فوق جراحات الماضي قال (( أود أن اشهد أن المرحوم فيصل عبد اللطيف الدينمو الحقيقي للجبهة القومية)).
إنها السياسة المتخلفة في العالم المتخلف التي يحتكم فيها رفاق السلاح للسلاح وأقبية المعتقلات وما هو أشد فظاعة، متوهمين بكل بلادة أنها الطريق الأسهل لحسم الخلافات السياسية والفكرية،ليس غباء بمنطق التاريخ، بل وبحتمية أن خيط الدم إذا تدفق من اجل الطيش والنزوة جر إلى أنهار دماء يصعب لجم تدفقها.  وعليه تبقى ذكرى السياسي الشاب فيصل عبدا للطيف لاتنسى وستظل الثورة السلمية اليوم عنواناً لايزول ويجب أن نستفد من أخطاء الماضي ونصنع مجداً سلمياً ننسى بموجبه عهد الدماء.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد