«فلسطيني جدا» لنواف أبو الهيجا.. أربعة وجوه للحقيقة

2015-02-26 10:41:27 طلال مرتضى


هل ما يطلق على «السيرة الذتية»، أو «رواية السيرة»، إن صح القول، هو ذاكرة استرجاعية للكاتب؟ أليست السيرة الذاتية، أو الميثاق الاوتوبيوغرافي، هي بمثابة اعتراف أمام قوس الذاكرة، أم محض أزمان يذهب الكاتب لاستعادتها، بما تتعلق به من أسماء وأحداث هي في موشور رؤيته، كشريط سينمائي ينقل لنا أحداثا جرت في الماضي، من دون مواربة أو الاختباء وراء أصابع الخوف أو الفضيحة، أو دفن للحقيقة التي هي ملكنا؟ ألا يحيلنا القول: إن ما وقع تحت أيدينا من هذه المعنونات، ليس ألا سردا لبطولات وانجازات مبدعيها، لأنه وفي الحقيقة ان سير الأسلاف لم تزل حتى الآن تُعتمد كمراجع تاريخية لها دلالاتها..

إلا إنني في هذا الصدد أبرئ العنوان الجديد «فلسطيني جداً»، ممّا وقع عليه من تبعات حول نقل بعض الوقائع ( التبيان الصريح)، وهذا البراءة جاءت حينما وقف الكاتب معترفاً بقوله: «شخصيا لست حراً ما دامت (عين حوض) أسيرة، ما دامت فلسطين محتلة، وما دامت خناجر (حكم الكلمة) قادرة على حز عنقي أو رأسي أو حتى كلماتي». أليس هذا القول هو فخ وضعه الكاتب ليسقطنا في محاكمة ذاتنا، قبل محاكمة النص، (أعيدوا وطني، أهبكم الحقيقة المطلقة).

فلسطيني جداً، ليست قصة الرجل الذي ملته المنافي، أو حياة ذات فصول شائقة، نعيشها في كتاب أنيق..»فلسطيني جداً» قصة التراب والماء، بكل مدلولاتهما وثيماتهما، أتت كمنجز أولي على شكل مفاتيح، أو ما يسمى عتبات، ليصار في ما بعد إلى تفنيد هذه العتبات كلٌ على حدة، لأن ما اشتغل عليه في كتاب تجاوز الثلاثمائة صفحة، ما هو ألا تأسيس لمحطة انطلاق للحديث عن تغريباته التي تجاوزت السبع، ما بين المنافي والعهر السياسي المنافق للأنظمة العربية التي بنت مجدها على حطام الشعب الفلسطيني، ومن هنا استطيع القول إن قامة باسقة مثل «نواف أبو الهيجاء»، لا تسلم مفاتيحها طوعاً لقارئ متطفل، بل تشي من خلال منجزه، إلى أنه ترك لقارئه العليم مفازات واسعة من التأويل، بعد أن قسم ذاته إلى أربعة أشخاص، ليتسنى له قيادة هذه السيرة نحو ميناء النجاة، قائلاً: «أربعة نحن، لكننا واحد. أربعة هم: أنا أنا، وهوهو. وهو أنا، وأنا هو. نصبح أربعة تماماً».

وهذه ليست حكاية مسلسل متعدد الأبطال، بل هي مسلك اجترعه الكاتب، ليجعل من هؤلاء الأشخاص كمراقبين ذاتيين، وهذا ما أعطى العمل نكهة شائقة، عندما يتدخل أحد هؤلاء الأشخاص معترضاً على الآخر حول حدث ما.

«فلسطيني جداً» الصادر عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» 2015، نتلمس من خلال سبر دروبه/ خيوطه، بأنه رصع ترصيعاً، ليكون من فسيفساء المدن العربية الأصيلة: القدس، بغداد، بيروت، ودمشق التي سكنت الكاتب حين عادها مرة أخرى كملاذ، «الشوق إلى دمشق تعمشقني من رقبتي ومن فؤادي. هكذا نزلت مبكرا إلى المدينة. مسافة حياة هي الفارق بين وصول شاب في الثانية والعشرين من العمر إلى الشام وكهل في الخامسة والستين. لقد تغيرت الدنيا هنا».

ذات هاتف، سألت الكاتب هل ما قرأته لك في «فلسطيني جداً» هو عين الحقيقة؟. قال: «تعلقت بالحقيقة تعلقي «بعين حوض» وعشقي لها، ولما ترمز إليه من كونها خلاصة فلسطين التاريخ، والحدث والأمل الذي لا يفارق أي فلسطيني حين يكون فعلا فلسطينياً جداً».

*»فلسطيني جدا»، آخر مؤلفات الكاتب الفلسطيني الراحل نواف أبو الهيجا الذي غاب بعيد صدوره بأيام.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد