اليوسفي.. حكاية برفقة كوب الشاي!

2014-12-11 10:45:18 تقرير/ فهمان الطيار

منذ عقد من الزمن ونيّف ، على أحمد حسن المعروف بأبو يوسف يرتكن أحد الممرَّات يجعل منه مقهى لصناعة الشاي وطلب الرزق الحلال والعيش بسلام، في بقعة متواضعة تشغل حيزاً من فراغ بسيط ، هو في الحقيقة جدار بسيط يمنع المارين والزبائن من الاصطدام بالأدوات والأواني التي يعمل بها ، وفردتان من الكراسي الخشبية على جانب الممر الذي يَعبُر منه الناس إلى السوق هي حكاية "اليوسفي" برفقة كوب الشاي مسيرة عطاء وحب العمل بإخلاص .. تفاصيل طاب لنا ذكرها دون تردد..

مقهاية اليوسفي لا تحمل على واجهتها لوحة تُعرَف بها ولا كراسي فاخرة ولا ديكور يشد الانتباه إليها ، لكنها عالمٌ بأكمله بتلك الوجوه المتفائلة بالخير التي تعمل بكل حب وإخلاص (يوسف ووالده علي , والصغير رهيب) هؤلاء الثلاثة قصة عطاء ، في زمن "الأخذ دون عطاء" حكاية كان للقلم وقفة إجلال في سردها ونثر أبجدياتها ..

لم نكن نعلم وذات يوم كُنا بصحبة أحد الاصدقاء في تناول وجبة الغداء ، ما إن انتهينا ، حتى أصر الصديق على أن نشرب الشاي قائلاً:" هيا بنا لِتَعرفَ ذاك المذاق الذي تفرَّد به (أبو يوسف) في صناعة الشاي .. دفعنا الفضول إلى زيارة المقهى..!!

نظراته ترحِّب بالجميع

ولجنا الدخول بل الجلوس لأنه لا يوجد باب لندخل فهو مكان حيث يمر الجميع ، جلسنا على تلك الكراسي المتواضعة .. وتلك النظرات الطيبة ترمق الينا إنها نظرات (أبو يوسف) ، ليس إلينا فقط إنه يرحب بالجميع دون استثناء بتلك ابتسامته ونظراته نظراً لانشغالهُ بصناعة الشاي ، فكلٌ لديه مزاج في شرب الشاي من يد "أبو يوسف" الذي لطالما اشتهر بتدليل زبائنه ، ذاك يحبه ثقيل وآخر خفيف ، لكن اليوسفي لا يكل ولا يمل بل يُلبي رغبات كل من أتى اليه ..

عموماً .. راق لنا الجلوس نُشاهد علي أحمد المعروف بـ"اليوسفي" وهو يحاول جاهداً إكرام زبائنه وتعامله معهم كالضيوف، وذاك الصغير رهيب يُباشر كل الحاضرين ، الصغير والكبير الغني والفقير كلهم يرتادون مقهايته المتواضعة ، تجد المكان مزدحماً فعندما ترى ذلك الكم من الناس يراودك إحساس... كم هو لطيف أسلوبه! .. وعندما ترى بيده حقيبة المنديل ما بين الفينة والأخرى يقوم بتوزيع تلك المناديل على الجميع وبيده قدح من الشاي يمرُ بِه على كل زبائنه يستزيدهم حتى يخرج الجميع والشاي لا يزال في الأكواب ، ليس لديهِ سعراً محدد للكوب كما في بقية المقاهي والمطاعم ، فهو أبٌ بالنسبة لمن لا يملك حساباً وفوق هذا لا يتحاسب بذلك السعر المعروف في الشارع بل قد يكون أقل من النِّصف بكثير ..

بصير يتحسس بعصاه

ذات يومٍ ونحن مارون في ذلك المكان وجدنا رجلاً بصيراً (فاقد البصر) تقدم به العمر ماشياً يتحسس بعصاه الطريق.. اصطدمت بنا عصا ذلك الشيخ فتوجه إلينا بسؤال:" هلاَّ دليتوني على ذلك الرجل الطيب الذي يبيع الشاي هنا؟ أجبنا على سؤاله بسؤال:" ومن دلَّك عليه يا هذا؟ قال إنني كل يوم آتي إلى هنا وأشرب الشاي عنده ولا يأخذ مني فلوس..!! .. فحلقت عبارة في الذهن (كم أنت رائع يا يوسفي!) .. وأخذنا بيده إلى المقهى..

تبسم ضاحكاً

كانت القصة حينها مُلفتة لـ"أخبار اليوم" ..وزادت اللهفة لمعرفة ما تبقَّى من تفاصيل .. انطلقنا بخطوات مدفوعة بالحماس لنشرب الشاي ونجمع مزيداً من المعلومات عنه ، الوقت لم يكن مناسباً ليشرح لنا وهو مشغولٌ في زاويته تلك يلبي طلب الحاضرين ، لكنه عندما عرف أنها الصحافة ، تبسم ضاحكاً وعلى وجهه علامات الاستغراب والسرور في نفس الوقت!! إن مقهايته شدت انتباه الإعلام إليه لم يصدق من شدة الفرح ، رحَّب بنا ترحيباً يليق بطيبته وأخلاقه ، عموماً: توقف عن العمل بضع دقائق وهذا ما تلخَّص لنا من حديثه":

علي أحمد رجل خمسيني العمر وولده يوسف شاب في مقتبل عمره في عقده الثالث والصغير رهيب الذي يعمل معهم ، أصلهم من محافظة إب لكن شاءت أقدار السماء أن يكون مصدر رزقهم في محافظة عدن هناك في القاهرة التابعة لمديرية الشيخ عثمان .. فانتقلوا مع عائلتهم الى عدن منذ خمسة عشر عاماَ مع عائلته المكونة من سبعة أفراد ويعتمدون في مصروفهم على ذلك المقهى ، بما في ذلك إيجار المنزل وإيجار الزاوية البسيطة التي عُرفت بمقهى اليوسفي ..مبتسماً متفائلاً هكذا وجدانه .. حياتهم ملفوفة بمحبة الناس لهم .. أخلاقهم وطيبة قلوبهم محل غبطة الجميع ..

الصغير رهيب

توجهنا إلى الصغير رهيب وهو منهمكاً في غسل الأكواب وتقديم الشاي للناس الذين ينتظرون لكنه أجاب علينا قائلاً:" إسمي رهيب محمد علي العوضي أعمل مع هذا وأشار بسبابته إلى "أبو يوسف" منذ عامين وهو يعاملني كولده أحببت العمل هنا معه ، لكن سرعان ما قاطع حديثنا أبو يوسف بقوله: أكتب إنه ولدي فأنا أراه كابني دون فرق وأحببته من قلبي..!! ..توقف القلم برهة من الوقت من تلك العبارات وعاد ليرصد حديثاً رهيباً الذي أجاب علينا سبب انقطاعه عن الدراسة ومع من يعيش قائلاً: ( أبي يعمل على "جاري" يبيع فيه السجائر وبعض الأشياء وأنا وأخواني وجميع أسرتي نسكن هنا في عدن, حياتنا المادية متواضعة والحمد لله وأنا أساعد أبي في بعض مصروفات البيت..!! هكذا كان حديث رهيب الذي لم نُرِد الانقطاع عنه لولا انشغاله..

عندما تراهم وترى حماسهُم ذاك, تجِد في هذه المتناقضات ما يشد انتباهك لتعرف كم هم محبون للعمل!! .. مِن هنا كان لنا أن نغادر المكان ونرصد كل التفاصيل التي أثارت دهشة لـ"أخبار اليوم" والتي تم ذكرها في سطور سابقة....

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد