المرأة اليمنية تتحدى الإمكانيات وتؤسس لاقتصاد زراعي متمكِّن..

الزراعة في اليمن.. ثروة أهملتها الدولة وأحيتها النساء

2014-10-14 18:46:48 تقرير/ ناصر مطهر

حينما نكتب عن هذا النوع من النساء فإننا أكتب عن نساء نلنَ الحكمة في هذه البلد، فهؤلاء النسوة اتَّجهن نحو حضارة الأجداد وأدركن أننا بغير هذه الحضارة لن نستطيع أن ننهض بمجتمعنا.

حضارة اليمن القديمة كانت بالزراعة، وما زالت الزراعة مقياساً لنهوض أي بلد في ربوع الكرة الأرضية, فالشعوب التي تأكل مما تزرع تكون أقوى من غيرها لأنها تمتلك اكتفاء ذاتياً تغبطها عليه أعظم شعوب الأرض.

فالقوة والمنعَة لا تكون إلا بالزراعة والمرأة اليمنية التي اتجهت نحو الزراعة عرفت معاني كثيرة من معاني النهضة, فعندما تحرث الأرض وترمي البذرة حينها تدرك قيِماً كثيرة كالصبر والتوكل وحسن التخطيط.

فهن يزرعن نبتة أمل في مستقبل أفضل لهذه البلاد ويحوِّطنها برعاية مستمرة ساقياةٍ إياها بماء الصبر في تربة التوكل فتعشوشب الأرض مبرهنة على أن لكل مجتهد نصيب وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

"أخبار اليوم" تلتقي بمجموعة من النساء اللاتي يعملن في مجال الزراعة في المناطق الريفية ضمن مشروع تحديد وإبراز القيادات النسائية اليمنية الذي ينفذه منتدى القرن الواحد والعشرين بدعمٍ من السفارة الهولندية والذي يستهدف النساء العاملات في المناطق النائية... فإلى التفاصيل:


أول امرأة تؤسس جمعية زراعية

أمة الرزاق الجهمي تُعد رائدة الجمعيات الزراعية في اليمن ومدربة في مجال التسويق الزراعي من محافظة إب مديرية بعدان إحدى المناطق التي تتزين بالبساط الأخضر طيلة أيام السنة، جاءت أمة الرزاق الجهمي "31" عاماً، لتنتهج نهجاً ﻻ يختلف عن خضرة محافظتها وتتخصص في المجال الزراعي لأنها تدرك أن الثروة التي تمتلكها منطقتها هي ثروة زراعية بامتياز.

تعد "الجهمي" أول امرأة يمنية تؤسس جمعية تعاونية زراعية بعد أن تخرجت من كلية الزراعة كمهندسة زراعية، ويصل عدد أعضاء جمعيتها إلى نحو 450 عضوة، وأهم نشاط للجمعية هو رفد الثروة الزراعية بالمحافظة ككل بأفكار إبداعية وبرامج اقتصادية تنهض بواقع المحافظة الخضراء وأبنائها سواءً فيما يتعلق بالإنتاج النباتي أو الحيواني. وحصلت أمة الرزاق على منصب رئيس دائرة المرأة في الاتحاد التعاوني الزراعي على مستوى الجمهورية؛ ما أعطاها خبرة كبيرة في مجال الإدارة وشحذ همم النساء في الجانب الزراعي والاقتصادي بشكل عام.

بعد ذلك أُوكِل إليها قسم التسويق الزراعي في الاتحاد وهو المجال الذي مكَّنها من متابعة أداء التصدير الداخلي والخارجي للمنتجات الزراعية والحيوانية ومراقبة معدلات اقتصاد القومي وفقاً لمؤشرات التجارة القائمة على التصدير والاستيراد.

وشاركت أمة الرزاق في تأسيس خمس جمعيات على مستوى الجمهورية مؤمنةً بأن الجمعيات الزراعية التعاونية نواة لدعم الاقتصادي اليمني ، وذهب إلى دعم النساء في إطار تلك الجمعيات بالدعم الفني واللوجستي حتى يستطعن القيام بمهامهن.

وتقول الجهمي: "أحلم أن يعود الاستقرار لليمن ليتم الاستثمار في الجانب الزراعي سواءً من قِبل يمنيين أو عرب أو حتى أجانب، وأن يتم رفد المُزارع اليمني بالدورات والخبراء والمعدات الزراعية والقروض الزراعية من أجل مساعدته وتحفيزه في تكريس جهده ووقته في الزراعة لأنها هي الثروة التي ﻻ تنضب" ــ حد تعبيرها.

إنتاج أسمدة صحية

أما المزارعة أميرة حجينة فيتضح لنا من خلال لقائنا بها أنه قلما يوجد وعي في مجتمعنا اليمني فيما يتعلق باستخدام الأسمدة وأنواعها وما هي الأنواع الجيدة للنبات والحيوان والتي تنعكس على صحة الإنسان في المقام الأول. وحدها أميرة حجينة (29) عاماً من مديرية زبيد محافظة الحديدة مَن تنبَّهت لهذا الجانب وأعطت جُل وقتها لتدريب المزارعين وتوعيتهم في مجال الزراعة واستخدام الأسمدة بالطريقة المثالية.

وسَّعت حجينة نشاطها التوعوي ليشمل الكثير من الأرياف والقرى المحيطة بمديرية باجل لعلمها أن التوعية بمجال المبيدات الزراعية والأسمدة هي اللبنة الأولى لعمل منظومة زراعية عملاقة يستند عليها الاقتصاد القومي.

كما قامت "أميرة" بتوزيع بعض الأدوات الزراعية التي يحتاجها المزارعون في عملية رش المبيدات الحشرية ووضع الأسمدة على الأرض، وقامت بتوعيتهم بكيفية الاستخدام الأمثل لتلك المبيدات وطريقة عمل هذه الأدوات.

ما دفع حجينة للاهتمام بالجانب الزراعي هو الفقر المدقع الذي يعاني منه أبناء منطقتها، وتستغرب كيف يجتمع الفقر مع وجود أراضٍ زراعية خصبة وشاسعة؟ وعملت على تحفيز المزارعين باستثمار أراضيهم وزراعتها والاكتفاء ذاتياً وبيع ما يفيض لديهم من المنتجات بدلاً من البحث عن وسائل غير متاحة لديهم للكسب والعيش.

وقامت أيضا بتعليم الناس بكيفية صنع السماد البلدي والعضوي من مخلفات الماشية المتوفرة لديهم، وهي وسيلة اقتصادية ونوعية جيدة من الأسمدة، بحيث أنها ﻻ تؤثر على الأرض وﻻ على صحة الإنسان.

وقالت جحينة:" وعورة الطريق في منطقة زبيد والقرى المجاورة وكذلك عدم توفر السيولة المادية لجلب المواد الزراعية وعملية التسويق هو ما يعيق المزارعين في تلك المناطق"، ولكنها تؤكد أنه بالتعاون وروح المشاركة استطاعوا التغلب على تلك المشاكل.

المشرفة النصوح

كما التقينا بالمزارعة تهاني الصلاحي وهي رائدة في الإرشاد الزراعي وإدخال مشاريع زراعية تنموية إلى داخل المنازل .. تتنقل "تهاني" بين العديد من المديريات من أجل التوعية والإرشاد في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني، وتعمل مديرة إدارة تنمية المرأة الريفية في مكتب الزراعة والري بمحافظة إب وتبلغ من العمر (40)عاماً تلك المرأة التي ﻻ تكلُّ وﻻ تملٌّ حيث تقوم بالإشراف على خمسة مراكز إرشادية زراعية على مستوى المحافظة.

وتقوم "تهاني" بتدريب على كيفية إنتاج الشتلات الزراعية والبذور المحسَّنة وتستقبل بدورها التقارير الربعية والسنوية من مراكز الإرشاد والتدريب بالمحافظة عن كيفية أداء تلك المراكز ومدى استفادة المزارعين من تلك الدورات التدريبية والمجال الإرشادي.

كما تقوم بإعداد دورات منزلية لربات البيوت في كيفية عمل الحدائق المنزلية والصناعات الغذائية المنزلية كتجفيف الخضار والفواكه لإيمانها بأن التدبير المنزلي الذي له ناحية اقتصادية هو المحفِّز الأساسي للمرأة للاهتمام بالجانب الزراعي التنموي إضافة إلى دعم المرشدين والمرشدات الزراعيين أثناء نزولهم الميداني إلى القرى والأرياف ببعض البذور والمبيدات الحشرية والأسمدة من أجل رفد المزارعين بتلك البذور وتعليمهم الطرق المثلى في استخدام المبيدات والأسمدة بالإضافة إلى إرسال لقاح لتطعيم المواشي باعتبارها أيضاً ركيزة أساسية في الإنتاج الزراعي والحيواني، وكذا تشجيع عمل الحدائق المنزلية وبناء السواقي عن طريق السيول.

وقالت الصلاحي: ما يحز في نفسي هو انتشار زراعة القات في بعض مناطق المحافظة بديلا عن الزراعات المفيدة الأخرى، وحاولت لقيام بنزول ميداني وأعطت بعض المزارعين شتلات الزيتون والبن من أجل زراعتها بديلاً عن القات ولكنها لم تحصل على الفائدة المرجوة.

طوافة المدن وأكاديمية التخصص

أما عائشة المفتي فهي رحالة يمنية وأكاديمية تجوب عدداً من المحافظات اليمنية لرفد الأُسر الفقيرة بمشاريع زراعية وحيوانية بارعة ومتخصصة في مجال الثروة الحيوانية وتحمل الماجستير في "تغذية الدواجن" من جامعة صنعاء.

تجوب العديد من المحافظات اليمنية في إطار عملها في المنظمات من أجل حصرأكبر قدر من المزارعين والمستفيدين في مجال التدريب والمحاضرات التوعوية في مجال التربية الحيوانية والإنتاج الزراعي.

تعشق "المفتي" العمل الميداني وتشعر بالارتياح عندما تُحدِث تغييراً نوعياً في حياة المزارعين في حال نجحوا في المشاريع الزراعية والحيوانية التي تم تحفيزهم في إعدادها.

وما يروق لها هو ذلك التقبل الكبير من المجتمع أثناء نزولها الميداني، فالمجتمع اليمني بطبيعته المحافظة ﻻ يتقبل وجود كادر من الرجال يقوم بعملية التوعية للنساء في أي مجال ويفضل أن يتم توعية النساء من قبل أخواتهن النساء.

"المفتي" لها بصمة فاعلة في كثير من محافظات الجمهورية، وتؤكد في هذا الجانب بالقول: " اشعر بالفخر والاعتزاز كلما مررت من قرية في أي محافظة قد عملت بها وقمت بإفادة قدر كبير من النساء في المجالين الزراعي والحيواني".

صاحبة " التصنيع الغذائي"

التقينا أيضا بالمزارعة ماجدة باكحيل وهي مدرِّبة وناشطة في المجال التنموي والزراعي تقوم بنشر الوعي بإيجاد البدائل الاقتصادية الناجحة رئيسة دائرة المرأة الريفية في الاتحاد التعاوني الزراعي.

وتقوم بإنشاء جمعيات زراعية تعاونية في عدد من محافظات الجمهورية بغرض إيجاد فرص عمل للنساء العاطلات في المجال الزراعي ورفدهن بكل ما يلزم في هذا الجانب، من أجل تحسين الظروف المعيشية للأسر الفقيرة. وتهتم بالمرأة الريفية كونها العمود الفقري للأسرة وعليها ترتكز كل نشاطات الأسرة الاقتصادية ولذلك عملت على الوصول إلى أكبر قدر من النساء في عدد من محافظات الجمهورية عبر الجمعيات لتدريب النساء في كيفية إدارة مشاريع صغيرة خاصة تلك التي تتعلق بالجانب الزراعي والثروة الحيوانية.

إعاقات في طريق باكحيل

تقول "باكحيل" من أهم الإعاقات النسبة العالية من الجهل الذي تعاني منه المرأة الريفية والصعوبة الكبيرة التي تلاقيها أثناء إقامة الدورات التدريبية والورش والندوات الخاصة بتعليم وتحفيز المرأة في الجانب الزراعي والاقتصادي.

ولكن بالمقابل هناك ما تفخر به "باكحيل" فهي صاحبة مشروع " التصنيع الغذائي" في كل محافظات الجمهورية للمرأة الريفية، حيث قامت بتدريب ما يقارب 5000 امرأة ريفية، وعلَّمت النساء كيف يستفدن مما تستطيع إنتاجه الأراضي الزراعية في مناطقهن. وأدخلت باكحيل مفهوم "الاستفادة من المنتجات الزائدة لتقليل الفاقد ما بعد الحصاد بمعنى الاستفادة من المنتجات الزراعية التالفة ما بعد الحصاد وكيفية استغلالها لإنتاج مواد مفيدة للاستهلاك, وتحلم "باكحيل" بأن ترى امرأة ريفية متعلمة تستطيع أن تستوعب كل ما يدور حولها وتستطيع أن توجد لها ولأسرتها بدائل اقتصادية للدخل من خلال الاستفادة من الدورات التدريبية والمشاريع المقدمة عبر الجمعيات أو المنظمات.

المزارعة المتمكِّنة والقروض البيضاء

المزارعة "منى علي" من بين المعاناة والنظرة الدونية للمرأة اليمنية وصلت إلى أوج عطائها في خدمة المرأة الريفية في مجال المشاريع الزراعية التنموية وسط مجتمع محافظ يرى في تعليم الفتاة نوعاً من العيب الاجتماعي تخرج لنا منى علي ــ (33)عاماً من مديرية يريم في محافظة إب، إحدى القياديات الريفيات في مجال التنمية الزراعية ــ مُعلنةً تمردها على الأعراف التي تضع المرأة بين جدران المنزل وﻻ تتعدى السبل المحيطة بالمنزل والتي تخدم الرجل بداخله.

تقول منى: " من تنهي التعليم الابتدائي في القرية كأنها أنهت مسيرتها التعليمية في الجامعة" وهذا تعبير منها عن الجور الذي تتعرض له الفتاة اليمنية في الأرياف ومدى سطوة الرجل عليها معتقداً بأنه يحافظ عليها وعلى ضعفها من الغرباء في حال اختلطت بهم.

تطوعت "منى" بعد ذلك لفترة كبير من غير مقابل للعمل في جانب الإرشاد التنموي للمرأة الريفية ولكنها توظفت بعد ذلك في مجال تنمية المرأة الريفية، بعد أن تخرجت من كلية الزراعة في جامعة صنعاء.

أسست "منى" جمعية تعاونية زراعية في المنطقة وظلت فترة طويلة لتجميع رأس مال الجمعية من أجل أن تنطلق بمشاريع تنموية زراعية يعود نفعها على المرأة الريفية بصورة مباشرة.

نفذت الجمعية العديد من الأعمال الزراعية كان أهمها الحدائق المنزلية، وقامت أيضاً بتوزيع بعض القروض البيضاء، خالية الفوائد لبعض الأسر الفقيرة من أجل عمل مشاريع تنموية زراعية تحسِّن من دخلهم.

عملت علي بالتنسيق مع مكتب الزراعة والري على إخراج 25 حراثة وأكثر من 35 حصادة يدوية وتم توزيعها لبعض المزارعين في محافظة إب.

وبالتعاون مع بعض المنظمات الدولية تم تدريب شباب في مجال الإرشاد النباتي والحيواني وتم تدريب أكثر من 200 مزارع في الطريقة المثلى للزراعة والري ورش المبيدات وكذلك الاهتمام بالمواشي وضرورة عرضها على الأطباء البيطريين.

ونحن في اليمن نعاني من مشاكل زراعية خاصة فيما يتعلق بزراعة الطماطم، قامت علي بتدريب عدد كبير من الفتيات الريفيات على زراعة شتلات الطماطم في محافظة إب، وقمن بعد ذلك بغرس 15,000 شتلة طماطم كمرحلة تجريبية، وبمجرد نجاحها تؤكد علي أنهم بصدد زراعة 250,000 شتلة إضافية في عدد من المناطق في المحافظة.

وتضيف "منى" " أشعر بالسعادة والفرح ويزول كل الهم وتذهب كل العراقيل التي واجهتني بمجرد رؤية عمل ناجح وأرى الابتسامة تُرسم في شفاه من استفاد من هذا العمل".

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد