زاغت ألبابهم فتلقفتهم شوارع والسجون

مشردون على ذمة عقولهم

2014-10-11 13:24:43 تقرير خاص/ وليد عبد الواسع

أوضاع مأساوية يعيشها أكثر من مليوني إنسان يمني يطلق عليهم اسم موحش " المجانين", الرصيف مأواهم وبقايا النفايات زادهم والأرض شديدة البرودة أو الحرارة فراشهم ويشربون من بقايا ما يشربه الآخرون أو ما يتعطف به البعض عليهم.. أناس جمعتهم شوارع التشرد تحت سقف قضية واحدة, لكن المتهمين كثيرون والأسباب متعددة, في ظل نقص في الكوادر التمريضية المتخصصة وشحة في الأدوية.. حتى صار اليمن لكثرة تزايد أعداهم بلد المليوني مجنون..

طبيب لكل 40 ألف مريض نفسي

شهدت اليمن في الآونة الأخيرة ازدياداً ملحوظاً في عدد المرضي النفسيين والمختلين عقلياً, إذ باتوا يشاهدون في الشوارع بشكل يثير القلق بالنسبة لكثير مراقبين..

ويشير باحثون متخصصون إلى ازدياد ملحوظ في أعداد المختلين عقلياً في المجتمع، في الوقت الذي يقابله قلة في الكوادر التمريضية المتخصصة، وشحة أدوية وأسرّة، مرجعين الظاهرة إلى الفقر والبطالة والتفكك الأسري والأمية وغياب التكافل وانخفاض الوعي، وغياب الرقابة المجتمعية.

تؤكد وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتورة/ أمة الرزاق علي حمد, على تزايد أعداد المرضى النفسيين في اليمن بسبب البيئة الصعبة التي يعيشون فيها، منها وجود البعض منهم في أقسام تابعة للسجون المركزية في المحافظات عموماً ومحافظة الحديدة- غرب اليمن- على وجه الخصوص وآخرون في مصحات تفتقر إلى التجهيز والأدوية اللازمة.

وعللت أيضاً تزايد المرضى النفسيين في البلد إلى عدم وجود أماكن متخصصة لعلاجهم والظروف المادية الصعبة التي تعيشها أسر المرضى وعدم قدرتهم على دفع تكاليف العلاج باهظ الثمن.

وتكشف إحصاءات عن تزايد عدد المرضى النفسيين أو ما يطلق عليهم يمنياً (المجانين)، نتيجة الظروف الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية, مشيرة إلى وجود نحو 1.5 مليون مريض نفسي يمني، منهم 500 ألف مريض ذهني، بينما يوجد قرابة 50 طبيباً موزعين على عموم محافظات اليمن.

أخصائي الأمراض النفسية- الدكتور/ محمد الطشي- في دراسة له- أوضح أن عدد المترددين على العيادات النفسية في المستشفيات الحكومية والخاصة بلغ أكثر من 150ألف متردد مقارنة بـ 25ألف متردد في منتصف الثمانينات، بما يعني تزايد المترددين في مطلع القرن الواحد والعشرين.

ويتوزع أغلب المختلين عقلياً في المدن الأكثر سكاناً وفقراً كـ" تعز والحديدة وإب" كما يتواجدون في محافظات أخرى كـ"لحج والمكلا وصنعاء والبيضاء وعدن" لكن بأعداد قليلة.

ووفقا لإحصائية حديثة فإن محافظة الحديدة- (غرب اليمن)- ارتفعت فيها الحالات النفسية في ستة أشهر، حيث وصل عددهم في مستشفى السلام النفسي في مدينة الحديدة- خلال الستة الأشهر الماضية من العام الحالي 2013م- أربعة آلاف و468 حالة نفسية من أرجاء اليمن كافة وخاصة من المحافظة والمديريات المجاورة.

مدير مستشفى الرشاد للأمراض النفسية والعصبية/ عبد الله شويل يقول: إن هناك قرابة 500 ألف مريض ذهني ومليون ونصف مريض عصبي في اليمن، في حين يبلغ عدد الأطباء النفسيين المتخصصين 50 طبيبا موزعين على عموم محافظات الجمهورية وبما يعادل طبيبا واحدا لكل 40.000 مريض نفسي.

ويشير إلى أن عدد المترددين على العيادات النفسية في المستشفيات الحكومية والخاصة بلغ أكثر من 150.000متردد مقارنة بـ25.000متردد في منتصف الثمانينيات، وأن مراكز الخدمة محصورة في خمس محافظات من مجموع اثنتين وعشرين محافظة.

جنون بين رصاصتين

الرصيف مأواهم, وبقايا النفايات زادهم, والأرض شديدة البرودة أو الحرارة فراشهم, ويشربون من بقايا ما يشربه الآخرون أو ما يتعطف به البعض عليه.. أناس جمعتهم شوارع التشرد تحت سقف قضية واحد, لكن المتهمين كثيرون والأسباب متعددة..

يرجع باحثون تزايد أعداد المختلين عقلياً والمرضى النفسيين إلى أسباب عديدة, أهمها: الفقر والبطالة والتفكك الأسري والأمية وغياب التكافل وانخفاض الوعي، وغياب الرقابة المجتمعية. في حين يرى آأخرون أن الظروف السياسية والاقتصادية زادت من أعداد المرضى النفسيين في اليمن.

يوضح الدكتور/ منذر إسحاق, أن هناك تزايدا في معدلات المختلين عقلياً, الذين ينتشرون في أنحاء مختلفة من شوارع مدينة تعز حصرياً، مما يعني أن المسألة لم تعد مجرد حالات فردية ولم تعد حدثا نادرا أو مقتصرا على أعداد قليلة من البشر.

ويرجع العوامل والأبعاد الاجتماعية للمشكلة إلى(الفقر – البطالة – التفكك الأسري- ارتفاع نسبة الأمية– غياب التنسيق بين مختلف الوحدات الاجتماعية- غياب التكافل الاجتماعي– انخفاض مستوى الوعي المجتمعي – غياب الرقابة المجتمعية – تراجع دور الدولة في ظل التوجهات العالمية الجديدة- ضعف الوازع الديني والارتكاز على مسائل العبادات).

وأشار إلى أن عدد من الآثار السلبية لتفاقم المشكلة التي قد تتحول إلى أزمة مجتمعية ومنها: والآثار السلبية على القطاع السياحي، وغياب التماسك الاجتماعي، تهديد الدولة بالمزيد من الاضطرابات، المزيد من الضعف في جانب القيم الدينية نتيجة القصور في الوعي الديني.

فيما استشاري الأمراض النفسية والعصبية الدكتور/ حيدر إبراهيم علوي, أرجع تزايد المرضى النفسيين في اليمن إلى تعاطي القات وزواج الأقارب، أو الفقر والبطالة والتوترات العائلية، حيث يتسبب القات بمفرده في التقليل من امتصاص الأدوية المضادة لمرض الذهان.

وتفيد الدكتورة/ سعاد محمد عبد الرب, أن هناك معوقات تقف وراء عدم تقديم الخدمات الكافية وبالصورة المطلوبة للمختلين عقلياً ومنها قلة الكادر التمريضي الذي يهتم بالمختلين وقلة السعة السريرية للمستشفى وشحة الأدوية التي تقدم لهم.

ويفيد مختصون أن هناك خطأ ارتكب عندما تم إبعاد المختلين عقلياً من مستشفى الأمراض العقلية، وتحويلهم إلى السجن المركزي، متمنياً أن يكون هناك دورا للمنظمات المانحة في حل هذه المشكلة التي تعاني منها اليمن.

مؤكداً أن الظاهرة لا يمكن منعها ومع ذلك فهي من اختصاص مكتب الصحة في عملية إدخالهم المصحة والأمن يتلقى الطلب من الصحة لكي يتم نقل المختلين من الشوارع إلى السجن أو المستشفى.

إنهم يواجهون الموت

في شوارع المدن يتجول العشرات من المرضى النفسيين في ظل انعدام شبه كامل لأبسط الرعاية الطبية التي ينبغي تقديمها لهم أكان من قبل الدولة أو من قبل ذويهم الذين غالبا ما يتخلون عنهم لأسباب مادية.

يفيد الدكتور/ عبدالمجيد الخليدي- أحد أشهر الأطباء النفسيين في اليمن- أن تزايد أعداد المرضى النفسيين في اليمن يعود إلى عدم وجود أماكن متخصصة لعلاجهم, فضلاً عن الظروف المادية الصعبة التي تعيشها أسر المرضى وعدم قدرتها على دفع تكاليف العلاج التي تكون غالبا باهظة الثمن.

 ويقول: كما أن هناك أسباباً عدة أخرى منها الإكثار في تعاطي القات بصورة غير عادية وكذا زواج الأقارب والمشاكل التي قد تنتج عنه وتؤثر بشكل كبير على نفسية الإنسان فضلاً عن الفقر والبطالة والتوترات العائلية, مشيراً إلى أن هناك بعض الأمراض النفسية التي لها جوانب وراثية مثل الذهانات والفصام والهوس وغيرها.

وكشفت دراسة علمية حديثة أن 98% من اليمنيين القابعين في المصحات النفسية هم ممن يتناولون نبتة "القات" المخدرة.

وقال أمين عام مؤسسة "يمن بلا قات" د. حميد زياد إن هذا يمثل خطراً كبيراً على النسيج المجتمعي للبلد.

وتقول الدراسات إن 99 في المائة من المرضى النفسيين يواجهون شبح الموت جراء الأوضاع المأساوية التي يعيشونها إذ لا تقتصر تلك الأوضاع على سوء المعاملة التي يلقونها من أفراد المجتمع وحسب بل إنها تمتد أيضا لتطالهم من قبل أشخاص أخذوا على عاتقهم مهمة مساعدة هذه الفئة من المواطنين ممن يعيشون في العراء بعد أن تخلت عنهم أسرهم.

وبحسب وزارة الصحة والسكان فإن هناك تزايد ملحوظ في أعداد المرضى النفسيين, حيث تجاوز عددهم المليون ونص المليون مريض.. والذي ترجعه للظروف الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية والبيئة الصعبة التي يعيشون فيها.

 وكشف تقرير صادر عن وزارة الصحة أن عدداً من المرضى النفسيين في اليمن يقبعون في أقسام تابعة للسجون المركزية في المحافظات اليمنية وعلى وجه الخصوص في محافظة الحديدة غرب اليمن وفيها يقبع القليل منهم في مصحات يقال بأنها مصحات نفسية إلا أنها- في حقيقة الأمر- تفتقر إلى التجهيز والأدوية اللازمة أو أحيانا الهامة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد