أخذت الدولة أراضيهم.. وحاصرتهم بجدار داخل الميناء

الجثامية.. إحدى قصص الظلم والمعاناة والنهب في الحديدة

2014-04-13 11:36:22 الحديدة : فتحي الطعامي

داخل أسوار ميناء الحديدة تقع أقدم قرى مدينة الحديدة وربما تهامة... قرية الجتامية أو ما يعرف بقرى جبل الناس يسكن فيها الآن ما يقارب من خمسة آلاف مواطن يمني لاعلاقة لهم بالدولة ولا بالنظام الجمهوري.. هؤلاء المواطنين وبالرغم من وجودهم داخل حرم أهم مرفق حيوي في المحافظة إلا أنهم يعيشون وضعاً مأساوي بكل ما تعني الكلمة.. فبيوتهم من القش والكراتين وماءهم من الآبار أو ما يعرف عندهم بالحسي المليئة بالأتربة والأوساخ ناهيك عن غياب التعليم وانعدام الصحة وعزلهم بشكل كامل عبر جدار الميناء الذي يفصلهم عن التنمية أو العمران وعن كل مناحي الحياة المتعددة.

عبر البوابة الشرقية لميناء الحديدة وبعد التفتيش الدقيق من قبل رجال الأمن الموجودين في البوابة دخلنا إلى قرية الجثامية وهناك كانت الفاجعة فهذه القرية الموجودة داخل أسوار ميناء الحديدة هي أشبه بقرية في الريف اليمني وفي زمن غير هذا الذي نعيش فيه.. بيوت من القش والكراتين حيوانات الحمير والجمال.. لا ماء سوى ما يوجد في البئر المتسخة تستعمل لشرب الآدميين والحيوانات على السواء.. لا مدارس ولا تعليم فأغلب أو جميع من هو داخل هذه المنطقة يعيشون في أمية متفشية كما أن هذه المنطقة تعيش في ظلام دامس بالرغم من وجودها داخل أسوار أهم منشأة حيوية بالبلاد (ميناء الحديدة) فأبناء هذه المنطقة لا يعرفون عن الميناء سوى سيارات رجال الأعمال الفارهة التي تدخل من البوابة إلى الميناء بهدف متابعة بعض الشاحنات..

اقتربنا من منازل القش فإذا بالمواطنين يتجمعون حولنا وكأننا من كوكب آخر تجمع حولنا الأطفال والعجائز والنساء وبادروا في سؤالنا عن سبب دخولنا إلى منطقتهم وهل نحن مسئولين من الدولة.. فأخبرناهم إننا صحفيين.. احتشد الأطفال الذين لا يوجد حول أجسادهم سوى بناطيل أو سراويل داخلية والرجال بالملابس المهترية والنساء بملابس ريفية بدائية.. منظر يوحي بمقدار الإهمال والتهميش الذي يعانيه أبناء هذه المنطقة من قبل الدولة والقائمين عليها طوال عقود خالية.

من ملاك إلى متسولين

أبناء هذه المنطقة وهم من قبيلة الجتامية المعروفة عبر التاريخ التهامي – والتي كانت تمتد على طول الساحل التهامي– يحكون عن سبب وصولهم إلى هذا الحال فيقولون إن هذه الأرض- بما فيها أرض الميناء- كانت ملكاً لهم بموجب أوراق ووثائق وبصائر رسمية وهي أرض توارثها الأبناء من الآباء إلا أنه- وفي عهد الإمام يحيى حميد الدين- تم أخذ أراضي لبناء ميناء الحديدة من قبل شركة روسية في حينه وبالرغم من عدم موافقة أبناء الجتامية على أخذ أراضيهم إلا أن الإمام يحيى دفع لهم مبلغاً زهيداً مقابل هذه الأرض.

ويحكي المعمرون من أبناء هذه المنطقة أنه تم رفع قضايا في المحاكم ضد الإمام وتم استصدار أحكام لصالح أبناء القبيلة.. إلا أنه- وفي عهد الجمهورية- تم الاستحواذ على مساحة كبيرة من أراضي الجتامية وأخذها عنوة وبدون أي تعويض بل وشرعت الدولة "الجمهورية" وعبر حقب تاريخية متوالية, على منح أراضي هذه المنطقة لأرباب المال والأعمال لإقامة مشاريع استثمارية ومصانع دون الرجوع إلى أصحاب الحق. وهو ما اعتبره أبناء هذه القبيلة تعدياً على أملاكهم مما دفعهم على رفع دعاوى قضايا ضد من أقاموا تلك المشاريع وكان أحد تلك القضايا التي كسبها أبناء هذه القبيلة الدعوى المرفوعة ضد إحدى أكبر بيوت المال والتي انتهى الأمر بإصدار حكم قضائي قضى بدفع مبلغ مالي كبير يقدر بمئات الملايين لأبناء هذه القبيلة.

جدار الفصل العنصري

منذ عقد ونيف شرعت السلطات اليمنية وبحجة حماية ميناء الحديدة إلى بناء جدار يبلغ طوله 2 كيلو متر ليتم محاصرة أبناء هذه المنطقة داخل هذا السور فأصبحوا معزولين عن العالم الخارجي بشكل كامل وباتوا لا يدخلون إلى منازلهم إلا عبر بوابة الميناء الشرقية.. في خارج السور والجدار سيارات ومركبات وشاحنات نقل متطورة تقل البضائع وفي داخل السور حمير وجمال ومواشي.. في خارج السور إنارات ضخمة وسفلتات للشوارع وفي هذه القرية ظلام دامس وأجواء معكرة بفعل الأدخنة المتصاعدة من الصوامع الحكومية والتجارية.. ظل أهالي هذه المنطقة, يحلمون بأن تأتي الجمهورية بإنصافهم وتطويرهم والاهتمام بهم لكن العكس حصل تماماً.. فما تم هو نهب أراضيهم وإهمالهم ومحاولة إخراجهم بالقوة وممارسة أساليب لترهيب مجتمعهم لكي يتخلوا عن أملاكهم (أراضيهم).

يقول الحاج درويش: الدولة تعرف أن هذه الأرض هي حقنا ومن أملاكنا حتى المنطقة أو الأرض التي بنوا فيها الميناء يعرفون أنها حق الجثامية لكن الدولة- وبدلا من تعويضنا عن كل ما لحق بنا وإعادة أراضينا التي نهبتها الدولة أو نهبها بعض التجار والمسئولين- قامت الدولة بمحاصرتنا بهذا الجدار ومنعوا عنا الماء والكهرباء والصحة والتعليم.. أطفالنا اليوم لا يعرفون المدارس ونحن نسكن في بيوت من القش والكراتين لا تحمينا لا من المطر ولا من لهيب الشمس.. نشوف أرضنا التي نهبت وقد بني عليها المشاريع العملاقة والمصانع والصوامع ونحن نعاني الفقر والعجز والقهر والمرض والله المستعان..

 ويضيف" ذهبنا الى المحكمة عدة مرات وحكمت لنا المحكمة بموجب الوثائق التي معنا لكن الدولة مصرة على إخراجنا من أرضنا وبدون مقابل وبدون أي تعويض.. أين العدالة التي يتكلمون عنها وحقوق الإنسان.. نحن هنا في ارضنا ولا يمكن أن نخرج منها مهما حصل فهذه حقوقنا ولن تنازل عنها.. والدولة ليس أمامها إلا تعويضنا التعويض العادل ونقلنا الى منطقة أخرى توازي من حيث قيمة الأرض المملوكة لنا أو تركنا في هذا الوضع المؤلم وسيعاقب الله من كان السبب..

مكتب أراضي الحديدة أكد أن الأرض- التي يقطنها أبناء قرية الجثامية- تعد ضمن المرافق العامة للدولة وأن المصلحة تكمن في إخراج المواطنين من هذه المنطقة وإبدالهم أراضي أخرى.. وأكد مدير الأراضي في الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة بالحديدة الأستاذ/ محمود الشميري, أن هذه القضية (إخراج الجثامية من داخل حرم الميناء) قد صدر فيها حكم قضائي قضى بإخراج الجتامية من منطقتهم وتعويضهم أراضي وبما يوازي ما يمتلكون.

 وقال الشميري: ونحن سنعمل في هيئة الأراضي على إيجاد أرض تتناسب مع أعداد المواطنين الذين سيخرجون من هذه المنطقة كما أن الدولة عليها توفير الخدمات لهم من صحة وتعليم وكهرباء ومياه.

الصحة وديدان البئر

يقول أبناء قرية الجثامية إن الدولة لم تقم بتوفير وحدة أو عيادة صحية لهم وبالرغم من عددهم الكبير كما أنه لا يسمح لهم بالعلاج داخل المراكز الصحية في ميناء الحديدة.. فهم- ومنذ أن قامت السلطات ببناء الجدار العازل- يعانون من صعوبة إخراج مرضاهم من بوابة الميناء الشرقية ناهيك من أن الأمراض تفتك بهم نتيجة للأدخنة المتصاعدة من صوامع الميناء الخاصة والحكومية وكذا البعوض المنتشر بشكل كبير في منطقتهم..

ويحكي المواطن علي حسن- أحد أبناء هذه المنطقة- أنه- وأثناء زيارة وزير الصحة لمنطقتهم قبل أشهر لتفقد الوضع الصحي لهم- وجه بإخراج كمية من ماء البئر لإحالته إلى المختبر لاكتشاف الميكروبات إلا أن المفاجأة كانت تتمثل في أن دلو الماء الذي تم إخراجه من البئر لا يحتاج لإرساله إلى المختبر كون الديدان ظاهرة فيه بشكل كبير.. الأمر– كما يقول علي حسن– الذي جعل الوزير يدرك حجم المعاناة التي يعانيها أبناء منطقة الجثامية وتجاوزت كل ما يتخيله عقل.. ويضيف" أبناء قرية الجثامية يعانون كثيرا أثناء وجود حالة مرضية منهم أو وجود ولادة متعسرة بسبب الإجراءات التي يفرضها عليهم أمن الميناء أثناء خروجهم ودخولهم إلى منطقتهم عبر البوابة الرسمية للميناء..

بلكنتها الدارجة تقول الحاجة سعيدة 60 عاماً: إني اشتي اسأل المسئولين حقنا من الرئيس والمحافظ وكلهم هل نحن مواطنون عندهم أو احنا مش يمنيين حتى يعاملوننا بهذا الظلم.. لا صحة عندنا ولا تعليم ولا كهرباء ولا احنا سالمين الأذى..

طفولة مكسورة

هنا المئات من الاطفال الذين تتراوح أعمارهم من ( 4 – 12 عام ) والذين تجمعوا حولنا فور دخولنا الى المنطقة بعيون مستغربة أن يتم زيارتهم من بعض المواطنين القادمين من خلف السور.. شبه عراة إلا من بعض القطع القماشية المهترئة التي تغطي الجزء الأسفل من أجسامهم.. سألناهم عما إذا كانوا يذهبون الى المدارس.. فقالوا إنهم لا يعرفون أماكن المدارس كما أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة.. وكلما يعرفونه في هذه المنطقة هو الأدخنة المتصاعدة من الميناء.. كما أن أغلب هؤلاء الأطفال لا يعرفون المدينة إلا في أيام الجمعة وشهر رمضان أملا منهم في الحصول على ما تجود به بعض النفوس الخيرة..

حملات أمنية جائرة

الظلم- الذي يتعرض له أبناء قرية الجثامية- تجاوز مصادرة أراضيهم التي داخل وخارج حرم الميناء ليصل في هذه المرة إلى الأرض التي يسكنوها, ففي الأيام القليلة الماضية منحت السلطات في محافظة الحديدة جزءا كبيرا من الارض التابعة للجثامية داخل حرم الميناء لأحد المستثمرين بهدف إقامة مشروع سكني, الأمر الذي اعتبره أبناء هذه المنطقة تعدياً إضافياً على ممتلكاتهم من قبل الدولة دون أن يتخذ حل جذري لمشكلتهم.. وشرع المستثمر في هدم بعض منازل القش التي يسكنها المواطنون مستعينا ببعض الأطقم العسكرية, الأمر الذي خلف العديد من الجرحى والمصابين من أبناء المنطقة بينهم أطفال.. ويحكي المواطنون أنهم تفاجأوا الأسبوع الماضي بحملة عسكرية ومنذ الصباح الباكر قامت بإطلاق الرصاص الحي عليهم ومطالبتهم بمغادرة المنطقة.. بل قامت تلك الحملة بإمطار أبناء المنطقة وابلا من قنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص الحي المباشر, الأمر الذي تسبب في سقوط جرحى بينهم الطفل عمر وكذا اختناق العديد من النساء والأطفال جراء إطلاق قنابل الغاز.

استنكار

واستنكرت أوساط اجتماعية وسياسية هذه التصرف الذي أقدمت عليه السلطات في محافظة الحديدة من مصادرة لأراضي هؤلاء المواطنين والاعتداء عليهم واستخدام القوة لإخراجهم من أراضهم.. وقال المهندس/ عبد الغني المعافا- أمين عام منظمة تهامة في تصريح له- إن السلطة المحلية وأجهزتها التنفيذية وبدلا من أن تقوم بإيجاد حلول منصفة لهذه الشريحة المهمشة والمنسية من أبناء قرية الجثامية والذين تم مصادرة حقوقهم وأراضيهم سواء لمصالح عامة أو خاصة دون أي يتم تعويضهم ومعالجة وضعهم التعليمي والصحي, شرعت تلك السلطات بالإثخان في ظلم هذه الشريحة بشكل ينم عن مستوى التخلي عن المسئولية من قبل المسئولين في محافظة الحديدة والذين أصدروا قرار منح هذا المستثمر ارض الجثامية..

 وطالب المعافا من السلطات المحلية في محافظة الحديدة إيجاد حلول ناجعة من شأنها إنصاف هؤلاء المواطنين على ما تعرضوا له من ظلم وإهمال ومصادرة لحقوقهم طوال الفترات الماضية وبما يحقق العدالة الاجتماعية والمواطنة السوية لمواطنين يمنيين يعيشون في هذا البلد.

وتبقى قضية أراضي الجثامية من القضايا الأكثر ظلما في تاريخ تهامة وهي إحدى الملفات التي ينتظر المواطنين فيها الفصل من قبل اللجنة الرئاسية القضائية المعنية بمعالجة مشاكل اراضي الحديدة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد