الأحداث المؤلمة التي شهدتها العاصمة اليمنية صنعاء المتمثلة بسيطرة الحوثيين على مؤسسات ومقار الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، ومحاولة اقتحام منازل القياديين اليمنيين، ضاربين عرض الحائط مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والانقلاب على ثورة الشعب، لم تكن متوقعة إطلاقاً وخارجة عن منطق القبول العقلي والأخلاقي.
من بين الأهداف التي يسعى الحوثيون إلى تحقيقها السيطرة على الأرشيف الاستخباراتي للبلاد من خلال هجومهم المكثف على جهاز الأمن القومي الذي يعد أهم جهاز استخباراتي في البلاد، والذي يضم مئات الملفات السرية، من أهمها ملفات مكافحة الإرهاب ومعلومات عن كبار الشخصيات في الحكومة، الأمر الذي يكشف خطورة ما يسعى إليه الحوثيون، من سيطرة كاملة على اليمن.
كثيرون من المتابعين للوضع اليمني وجدوا صعوبة في فهم مجريات الأحداث، من سيطرة الحوثيين على عاصمة بأكملها دون مقاومة حقيقية، تحت سمع وبصر سلطات البلاد والعالم أجمع، في نفس الوقت الذي كانت فيه قيادتهم تتفاوض مع السلطات القائمة، بإشراف ممثل الأمم المتحدة جمال بن عمر، حيث ماطلت في توقيع الاتفاق وملحقاته إلى حين استكمال السيطرة على كل المنشآت والوزارات الحساسة وعلى رأسها وزارتا الدفاع والداخلية.
اليمن المتخم بأزماته المتعددة، من سيطرة الحوثيين على الدولة إلى تهديدات تنظيم القاعدة الإرهابي، إلى عمليات الاغتيال إلى تعقيدات القضية الجنوبية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة والإنسانية المؤلمة، ولا بد لليمنيين بكافة مكوناتهم التعقل والحكمة والانتباه أكثر إلى مستقبل بلادهم الذي صار على المحك، والتخفيف قدر الإمكان من التوترات وانسحاب كل المسلحين الحوثيين من صنعاء، واحترام اتفاق السلام الموقع برعاية الأمم المتحدة وتطبيق بنودها كاملة من دون نقصان أو الالتفاف عليها، لأن تطبيقها هو الاعترافُ بالسيادة الكاملة للدولة على كافة أراضيها وتسليم كافة المؤسسات والأسلحة المنهوبة.
لا يمكن أن يتم بناء الدولة اليمنية ومؤسساتها الدستورية عبر انتهاك حرمات البيوت والمساجد وتصفية حسابات القوة العمياء المسكونة بالثأر، كما أن نهب المنازل والمعسكرات ومؤسسات الدولة لا يمكن إلا أن يؤدي إلى انتشار الفساد والتخريب على نطاق واسع، بدلاً من الالتزام بتطبيق اتفاق السلام والمشاركة في بناء دولة مدنية حديثة.
الأزمة التي تعصف باليمن لن تهدأ ما لم تتوقف أعمال العنف في صنعاء، ومحيطها ومحافظات عمران والجوف ومأرب، وسحب المسلحين منها، وتمكين الدولة من بسط نفوذها على أراضيها، مع تشكيل لجنة مشتركة لتطبيع الأوضاع في هذه المناطق، ووضع آلية لنزع السلاح واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كل الأطراف والجماعات والأحزاب والأفراد التي نهبت أو جرى الاستيلاء عليها من الدولة.
اليمن بأمسّ الحاجة في الوقت الراهن للمساعدة من دول الجوار والمجتمع الدولي للخروج من دائرة العنف وصياغة دستور فيدرالي وإجراء انتخابات نيابية.. والأطراف اليمنية كافة مطالبة اليوم بتغليب المصلحة الوطنية وتجنب التحريض والتصعيد والتمسك بنهج يجنب بلادهم الانزلاق إلى الفوضى التي تهدد أمن البلاد واستقرارها.
الخليج الإماراتية
أحمد مصطفى علي
اليمن في مهب الفوضى 886